تفسيرًا فرجع يشك في بعض الحقائق، حتى ليشك في الشك نفسه، وهذا مصدر ما نجد عنده من تناقض يعتري آراءه وليس من شك في أن اللزوميَّات ترينا أبا العلاء حائرًا حيرة شديدة؛ فالدُّنيا كلها وما وراءها ظلام وسواد ولجج واسعة من الحيرة:

الحمدُ للهِ قد أصبحتُ في لججٍ ... مكابدًا من همومِ الدَّهر قاموسًا1

واتسعت هذه اللجج عليه ولم يستطع أن يقاومها ولا أن يخرج منها، فمكث فيها تائهًا حائرًا، واستمر يقص علينا في لزومياته قصة هذا الطوفان، فقد أطبقت عليه الأمواج من كال جانب وكأنما أفسدت عليه جميع الطرق والمناهج:

قد ترامت إلى الفساد البرايا ... واستوت في الضَّلالة الأديانُ

أنا أعمى فكيف أهدَى إلى المنـ ... ـهج والناسُ كلُّهم عميانُ

ولم يستطع أبو العلاء حقًّا أن يهتدي إلى المنهج في كثير من المسائل والمشاكل فشك واتسع عليه الشك حتى جعله لا يؤمن بيقين، وعبر عن ذلك في مرثيته لأبيه تعبيرًا واضحًا؛ إذ يقول:

طلبت يقينًا من جهينة عنهمُ ... ولم تخبريني يا جهينُ سوى الظن2ُّ

فإن تعهديني لا أزال مسائلًا ... فأني لم أعطَ الصحيحَ فأستغني

ويقول أيضًا:

أما اليقينُ فلا يقينَ وإنَّما ... أقصى اجتهادي أن أظنَّ وأحدِسا

فأبو العلاء يطلب اليقين فلا يجد إلا الظن والحدس، وإذن فمن الخطأ أن يأتي باحث فيراه يقول رأيًا فيظنه يقينًا، ثم يراه يخرج عنه فيقول: إنه مضطرب متناقض؛ فإن أبا العلاء لم يكن صاحب يقين في رأي من الآراء؛ بل هو صاحب ظن وحدس وشك، وهو يعمم هذا الشك في كل شيء، سوى إيمانه بربه؛ إذ يقول:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015