وأبيض أمات أرادت صريحه ... لأطفالها دون الغواني الصرائح1

ودع ضربَ النَّحْلَ الذي بَكَرَت له ... كواسبُ من أزهار نبت فوائح2

والمراد بالأبيض اللبن.

والمعروف أن أبا العلاء ترك أكل اللحم ومشتقاته رحمة بالحيوان. روى الرواة أن سائلًا سأله: "لم لا تأكل اللحم؟ فقال: أرحم الحيوان، قال: فما تقول في السباع التي لا طعام لها إلا لحوم الحيوان؟ فإن كان الخالق الذي دبَّر ذلك فما أنت بأرأف منه، وإن كانت الطبائع المحدثة؛ لذلك فما أنت بأحذق منها، ولا هي أنقص عملًا منك". ويعلق ابن الجوزي على هذه الرواية فيقول: "لقد كان يمكنه أن لا يذبح رحمة؛ فأما ما ذبحه غيره فأي رحمة قد بقيت في ترك أكله"3. على كل حال كان أبو العلاء نباتيًّا وقد صد عن أكل اللحم ودعا إلى ذلك، وله حوار طريف مع داعي الدعاة في هذه المسألة يرجع إليه القارئ في ترجمته بياقوت، ولكن هل هذه النباتية في أبي العلاء تجعلنا نزعم أنه فيلسوف؟ إنها طريقة في الحياة وليست طريقة في التفكير. على أننا إذا أردنا تصحيح القياس وجب لكي نثبت فلسفته عن هذه المقدمة أن نكون على يقين من أن هذه النباتية يونانية أو أنها مذهب فلسفي من مذاهب اليونان، وليست النباتية من مذاهب اليونان ولا من فلسفتهم؛ إنما هي مذهب هندي يرجع إلى البراهمة، وقد قص علينا ذلك كل من ترجموا لأبي العلاء، يقول ابن الأنباري: "يحكى عنه أنه كان برهميًا وأنه وصف لمريض فروج، فقال: استضعفوك فوصفوك"4 ويقول ابن الجوزي: "كان ظاهر أمر أبي العلاء يدل على أنه يميل إلى مذهب البراهمة؛ فإنهم لا يرون ذبح الحيوان ويجحدون الرسل"5 ويقول ياقوت عنه: "كان متهما في دينه، يرى رأي البراهمة: لا يرى إفساد الصورة، ولا يأكل لحمًا، ولا يؤمن بالرسل والبعث والنشور"6. ويقول أبو الفداء:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015