صاحب الصناعتين: "ليس لأحد من أصناف القائلين غنى عن تداول المعاني ممن تقدمهم، والصب على قوالب من سبقهم"1. ويقول صاحب الوساطة: "السرقة داء قديم وعيب عتيق، وما زال الشاعر يستعين بخاطر الآخر ويستمد من قريحته، ويعتمد على معناه ولفظه، وكان أكثره ظاهرًا ... ثم تسبب المحدثون إلى إخفائه بالنقل والقلب وتغيير المنهاج والترتيب، وتكلفوا جبر ما فيه من النقيصة بالزيادة والتأكيد، والتعريض في حال والتصريح في أخرى، والاحتجاج والتعليل؛ فصار أحدهم إذا أخذ معنى أضاف إليه من هذه الأمور ما لا يقصر معه عن اختراعه وإبداع مثله ... ومتى أنصفت علمت أن أهل عصرنا ثم العصر الذي بعدنا أقرب فيه إلى المعذرة وأبعد من المذمة؛ لأن من تقدمنا قد استغرق المعاني، وسبق إليها، وأتى على معظمها، وإنما نحصل على بقايا، إما أن تكون تركت رغبة عنها أو استهانة بها أو لبعد مطلبها واعتياص مرامها وتعذر الوصول إليها، ومتى أجهد أحدنا نفسه، وأعمل فكره، وأتعب خاطره وذهنه في تحصيل معنى يظنه غريبًا مبتدعًا، ونظم بيت يحسبه فردًا مخترعًا، ثم تصفح عنه الدواوين لم يخط أن يجده بعينه أو يجد له مثالًا يغض من حسنه"2.
والقاضي الجرجاني من نقاد القرن الرابع وشعرائه، ونراه يشهد بأن السرقات أصبحت ضرورة من ضرورات عصره في صنع الشعر ونماذجه، وهو يلاحظ أنها قديمة في الفن العربي، وهي ملاحظة صحيحة فنحن نجدها شائعة بين النقاد الأولين عند حماد الراوية وغيره. قال مروان بن أبي حفصة: "دخلت أنا وطريح بن إسماعيل الثقفي والحسين بن مطير الأسدي في جماعة من الشعراء على الوليد بن يزيد، وهو في فرش قد غاب فيها، وإذا رجل عنده كلما أنشد شاعر شعرًا وقف الوليد بن يزيد على بيت بيت من شعره، وقال هذا أخذه من موضع كذا وكذا، وهذا المعنى نقله من موضع كذا وكذا من شعر فلان؛ حتى أتى على أكثر الشعر، فقلت من هذا؟ قالوا حماد الراوية"3.