على أن هذا الجمال سرعان ما أصابه الجمود في القرن الرابع وما جاء بعده من قرون؛ إذ ضل الشعراء طريقهم إلى تنويع أفكارهم إلا أن يلجئوا إلى ألوان غريبة كالمبالغة، أو يستعيروا بعض الألفاظ من الثقافات، أما أن ينوعوا في موضوعاتهم ومعانيهم فذلك شيء قلما دار في أذهانهم.

ولعل من أسباب ذلك أيضًا ما شاع في بيئات النقاد من أن الأسلوب هو كل شيء في الأدب، وهي فكرة نراها في النقد من قديم؛ نراها عند الجاحظ، قد أسقط المعاني، ولم يجعل لها فضلًا، وعوَّل على الألفاظ قائلًا: "إن المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي والبدوي والقروي؛ وإنما الشأن في إقامة الوزن وتخير اللفظ وسهولة المخرج وكثرة الماء وفي صحة الطبع وجودة السبك"1 وثار عليه ابن قتيبة، وقال: "إن البلاغة تكون في المعاني كما تكون في الألفاظ"2؛ ولكن النقاد انحازوا في الغالب إلى الجاحظ، يقول صاحب الصناعتين: "المعاني مشتركة بين العقلاء؛ فربما وقع المعنى الجيد للسوقي والنبطي والزنجي، وإنما يتفاضل الناس في الألفاظ ورصفها وتأليفها ونظمها"3، ويقول الآمدي: "وليس الشعر عند أهل العلم به إلا حسن التأتي وقرب المأخذ واختيار الكلام ووضع الألفاظ في مواضعها. فإن اتفق مع هذا معنى لطيف أو حكمة غريبة أو أدب حسن فذلك زائد في بهاء الكلام وإن لم يتفق فقد قام الكلام بنفسه واستغنى عما سواه"4. ويقول ابن خلدون في القرن الثامن: "إن صناعة الكلام نظمًا ونثرًا؛ إنما هي في الألفاظ لا في المعاني"5.

وليس من شك في أن شيوع هذه الآراء جعل الشعراء لا يبحثون عن موضوعات جديدة، وبذلك انصب عملهم على التحوير في المعاني القديمة فنشأ هذا البحث الواسع الذي نجده في كتب النقد العربي، ونعني بحث السرقات. ونحن نجد النقاد في هذه العصور يحسون بأن هذا الجانب ضروري في الشعر، يقول

طور بواسطة نورين ميديا © 2015