فالشعراء يسرقون من قديم. يقول الجاحظ: "نظرنا في الشعر القديم والحديث فوجدنا المعاني تقلب ويؤخذ بعضها من بعض"1. ويقول أيضًا: "ولا يعلم في الأرض شاعر تقدم في تشبيه مصيب تام، أو في معنى غريب عجيب، أو في معنى شريف كريم، أو في بديع مخترع، إلا وكل من جاء من الشعراء من بعده أو معه إن هو لم يَعْدُ على لفظه فيسرق بعضه أو يدعيه بأسره فإنه لا يدع أن يستعين بالمعنى، ويجعل نفسه شريكًا فيه"2.
وإذن فالسرقة قديمة في الشعر العربي؛ غير أنه يلاحظ أنها أصبحت شيئًا أساسيًّا في القرن الرابع فقد اهتم بها النقاد وفتحوا لها دراسات واسعة في كتبهم كما نجد في الصناعتين والوساطة والموازنة، وألِّفت فيها كتب خاصة، ألَّف مهلهل بن يموت كتابًا في سرقات أبي نواس، كما ألف كل من ابن أبي طاهر وابن عمار كتابًا في سرقات أبي تمام3. وعمت هذه الدراسة وشاعت في كتب النقد والبلاغة؛ لأنها كانت أهم جانب في صناعة النماذج الفنية. وليس من شك في أن هذا الصنيع إنما يعني الجمود والتحجر، فقد ارتبط الشعراء بمجموعة من الأفكار والمعاني والأخيلة وسجنوا شعرهم وأنفسهم فيها، وبذلك انحصروا داخل آماد ضيقة من التقليد والتلفيق.