واقتسام الأموال من وقت سامٍ ... واقتحامُ الأهوالِ من وقت حامِ
فإنك تراه يجانس بين الدوامي والدوام، وهو جناس طبيعي يشبه ما كنا نجده في القرن الثالث، ولكن انظر إلى تجديده في هذا اللون بعد ذلك؛ إذ تراه يجانس بين: اصطلام، وكلمتي: وسط لام، كما يجانس بين: واقتسام، وكلمتي: وقت سام، وكذلك بين: واقتحام، وكلمتي: وقت حام. أرأيت إلى هذا التجديد في الجناس؟ إنه كملاعق المهلَّبي لا يضيف طرافة إنما يضيف تعقيدًا وتلفيقًا غريبًا يخرج به الجناس عن صورته الأصلية الموسيقية إلى نوع من العبث واللعب بالألفاظ والكلمات.
وليس لنا أن نزري على عمل الشعراء وطريقة استخدامهم لهذه الألوان؛ فذلك أسلوب العصر، إذ كان يعجب بالتعقيد في كل شيء، وتبعه الشعراء يعقدون في وسائلهم وطرق استخدامها، ولكنهم حينما عدلوا إلى ذلك التعقيد لم يستطيعوا أن يستخرجوا منه صورًا وأشكالًا طريفة؛ إنما هي صور وأشكال غريبة، فإذا اللون يتعقد تعقدًا داخليًّا لا يضيف إليه حسنًا أو جمالًا، وإنما يضيف إليه إغرابًا، إن كان الإغراب يعتبر بدعًا في ذاته، يطلبه الشعراء في نماذجهم وآثارهم.
وإذا تركنا الطباق والجناس إلى أصباغ التصوير التي كان يستخدمها شعراء القرن الثالث وجدناها يصيبها من التحول ما أصاب هذين اللونين؛ فقد عزف الشعراء عن التشخيص والتجسيم إلا في القليل النادر، أما التشبيهات والاستعارات فقد أكثروا منها، ولكنه إكثار من جنس إكثارهم من الطباق والجناس، إكثار نزع بهذه الأصباغ إلى صور جديدة، وكأنها فارقت أصباغها، واقرأ هذا البيت للوأواء الدمشقي إذ يقول1:
فأمطرتْ لؤلؤًا من نرجسٍ وسقتْ ... وردًا وعضَّت على العنَّابِ بالبردِ
فإنك تراه يملأ بيته بالاستعارات؛ إذ استعار اللؤلؤ للدمع والنرجس للعين