أن نعود فنقيِّد هذا الكلام؛ ذلك أن ابن المعتز لم يتعمق في فهم جوانب التصنيع وزخرفه عند أبي تمام، فهِمَ الزخرف الحسي: زخرف الجناس والطباق والتصوير والمشاكلة، ولكنه لم يفهم الزخرف العقلي، ولذلك لم يسقط في كتابه أي تعريف بلون من ألوانه سوى ما سماه بالمذهب الكلامي. وقد نقله عن الجاحظ دون فهم واضح له، وعابه بما فيه من تكلف1 ولو أن ابن المعتز كان متعمقًا في فهم وسائل التصنيع وزخارفه، كما انتهت إليه عند أبي تمام لأغنانا عن بيانها ووصفها.

ولعلنا لا نبعد إذا قلنا: إن ابن المعتز هو الذي انحاز بالبديع العربي إلى الزخرف المادي، وجعله لا يهتم اهتمامًا واسعًا بالزخرف العقلي أو المعنوي الذي رأيناه عند أبي تمام؛ إذ لم يعرض في كتابه لدرس ألوان التصنيع القاتمة عنده، تلك التي كان يستنبطها من الفلسفة والثقافة ويحولها إلى ألوان زاهية مضيئة. كان ابن المعتز مختلفًا في ثقافته، وهو كذلك كان متخلفًا في فهم التصنيع الجديد الذي أحدثه أبو تمام، ومن ثَمَّ لم يستطع تفسيره في كتابه عن البديع، كما أنه لم يستطع تطبيقه في ديوانه؛ فقد وقف بعمله عند الزخارف الحسية.

واضطرب في موقفه من أبي تمام اضطرابًا شديدًا، فهو تارة يرفعه إلى الأفق الأعلى كما مرّ بنا في حديثنا عنه حين وازن بينه وبين البحتري، وتارة يتلومه لإسرافه في البديع، وقد ألف في محاسنه ومساويه رسالة احتفظ بها صاحب الموشح، ومن يرجع إليها يجد أنه إنما يعيب عليه بُعْده في التفكير وإغراقه في التصوير2. وكانت هذه الرسالة إحدى الدعائم التي استند إليها خصوم أبي تمام في الحملة عليه من أمثال الآمدي. ورد عليهم أنصار أبي تمام من أمثال الصولي والمرزوقي.

وعلي هذا النحو لم يستطع ابن المعتز أن يفهم تصنيع أبي تمام حق الفهم، مع أن ذوقه فعلًا كان من ذوق المصنعين، ولكن حائلًا حال بينه وبين تغلغله فيه، وهو أنه كان أميرًا مترفًا من أبناء القصور الذين لا يتعمقون في الفَهم فوقف بتصنيعه عند الجانب الحسي، وعني خاصة بجانب التصوير وما يتصل بها من تشبيهات وأخيلة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015