كان ابنُ المعتز يعنى بزخرف التصوير في شعره عناية شديدة، ولكن أي تصوير؟ إنه ليس هذا التصوير الفلسفي الذي يمزج بنوافر الأضداد، وهو أيضًا ليس التصوير الحسي الذي يحلله أبو تمام إلى أصباغه التي تحدثنا عنها من تجسيم وتدبيج وتشخيص؛ إنما هو تصوير من نوع آخر لا يحتاج تأملًا عميقًا، أو هو بعبارة أدق صبغ آخر من أصباغ التصوير؛ ولكنه ليس صبغًا معقدًا ولا مركبًا، ونقصد: صبغ التشبيه، فقد شغف به شغفًا شديدًا كاد لا يبقى فيه بقية لزخرف آخر من زخارف المدرسة. وكان لذلك الزخرف عنده طرافة خاصة، فإنه استطاع أن يحول هذا الصبغ المحدود إلى صبغ له طاقة واسعة، بل لقد خرج عن نطاقه القديم وأصبح صبغًا مستقلًا له أوضاعه التي لا تحصى، وفي هذا الوعاء من أوعية التصوير يظهر تصنيعه ويظهر أيضًا تفوقه على شعراء عصره؛ فقد اختص بصبغ واحد من أصباغ لون واحد من ألوان التصنيع، ولكن عرف كيف يحوله إلى صبغ واسع ويستخرج منه ما لا يحصى من صور وأوضاع. وكان النقاد القدماء يعرفون له هذا الجانب. يقول ابن رشيق: "إن ابن المعتز يغلب عليه التشبيه"1، ويقول صاحب معاهد التنصيص: "هو أشعر الناس في الأوصاف والتشبيهات"1، وامتلأت كتب النقد والبلاغة بأوصافه، وأشاد به عبد القاهر الجرجاني في غير موضع من كتاباته.