أحد بمن تقدم لوجد مساغًا"1.

ونحن لا نشارك في الحملة على ابن المعتز؛ بل نحن نضعه في موضوعه الصحيح، فقد كان شاعرًا محسنًا؛ غير أنه كان أميرًا مترفًا، ولم يُتِحْ له ترفه أن يتعمق الثقافة والفلسفة على نحو ما تعمقهما أبو تمام، وهو كذلك لم يتعمق وسائل التصنيع الحديثة، فإنه لم يعرف العمق في شيء؛ إنما عرف اللهو والنعيم، وعبر عن ذلك أجمل تعبير بقوله:

شربنا بالكبيرِ وبالصغيرِ ... ولم نحفِل بأحداث الدهورِ

لقد ركضتْ بنا خيلُ الملاهي ... وقد طِرنا بأجنحة السرورِ

فحياته كانت مترفة ترفًا خالصًا، ومثل هذه الحياة لا تؤهل لتفكير عميق ولا لتعقيد في التفكير؛ إذ تقوم على الأشياء القريبة، وقلما تعب صاحبها في حياته العقلية والمادية.

وليس معنى ذلك أن ابن المعتز كان من ذوق الصانعين؛ فقد كان من ذوق المصنِّعين، فالتصنيع والزخرف أساسيان في حياته، وهما كذلك أساسيان في فنه. ويحدثنا صاحب الأغاني أنه بدت فيه منذ نشأته نزعة إلى الغناء والموسيقى ضاعفت حسه بالجمال كما ضاعفها ترفه ونعيمه، وذكر له كتبًا في الغناء2، كما ذكر له أدوارًا غنَّى فيها. وليس من شك في أن من يعيش مثل هذه المعيشة لا يمكن أن يكون ذوقه بسيطًا، فالترف لا يتيح بساطة في الحياة؛ بل هو يتيح ضربًا معقدًا من التصنيع في شئونها. والحق أن التصنيع كان مادة أصلية في حياته، وسرى منها إلى فنه؛ فهو يعيش في شعره كما يعيش في حياته معيشة تعتمد على التأنق والتنميق.

كان ابن المعتز شاعرًا مصنعًا من أصحاب مذهب التصنيع، وكان يعجب بهذا المذهب إعجابًا شديدًا دعاه إلى أن يكتب في أدواته وزخرفه كتابه "البديع" وهو يشهد له بأنه كان فنانًا عالِمًا يحسن وضع المصطلحات الفنية، ولكن ينبغي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015