يعبر عن قتل ابن حُمَيد بتلك الثياب الحمراء التي غرقت في أصباغ الدم؛ حتى إذا دجى الليل وأظلم القبر أبدله منها ثيابًا سندسية خضراء ليعبر عن رضوان ربه. واقرأ هذا البيت يقوله في الحرب أيضًا حين فتح العرب لعمورية:
إن الحمامين من بيضٍ ومن سمر ... دلوا الحياتينِ من ماءٍ ومن عشبِ
فقد جعل للحِمام أو للموت لونين يختلفان باختلاف السمرة والبياض في ألوان القنا والسيوف، واستمر فعبر عن الحياة بلونين يقابلان هذين اللونين السابقين، وهما لونا الماء والعشب، وكل ذلك ليرمز عن أسباب الحياة والموت، وانظر إليه يقول في انتصار بعض القواد على بابك بأذربيجان:
جلوتَ الدُّجى عن أذربيجان بعدما ... تردَّت بلون كالغمامة أربدِ1
وكانت وليس الصبح فيها بأبيض ... فأمست وليس الليلُ فيها بأسودِ
فإنك تراه يعتمد على التدبيج في التعبير عن أحوال أذربيجان الكئيبة والسعيدة، وانظر إليه يقول:
أما وأبى الرَّجاء لقد ركبنا ... مطايا الدهر من بيضٍ وسودِ
فقد استخدم التدبيج للرمز عن حوادث الدهر: النحس منها والسعيد بتصويره لتلك المطايا من بيض وسود. وعلى هذا النمط نرى كثيرًا من جوانب ديوان أبي تمام يذهب هذا المذهب الرمزي في التعبير عن المعاني والأفكار بالصور والأخيلة الحسية والألوان المادية.
وكما كان أبو تمام يستخدم التصوير في التعبير عن أفكاره العميقة، كذلك كان يستخدم الطباق والجناس والمشاكلة. ونحن نلاحظ من طرف آخر أن ألوان التصنيع القديمة كانت تمر في ظلال الثقافة والفلسفة؛ فإذا هي تتحول عن شياتها وهيئاتها، وكما أن اللون يتحول عن شكله حين يمر في ضوء صناعي أحمر أو أزرق أو أخضر، كذلك اللون من التصوير والجناس والمشاكلة والطباق عند أبي تمام حين يمر في فلسفته وثقافته العميقة. ولعل خير لون قديم يفسر ذلك هو لون الطباق؛ فقد مر في أصباغ قاتمة من الفلسفة أحالته إلى لون