جديد مخالف للطباق المألوف، واقرأ هذا البيت:
هي البدرُ يغنيها تودُّد وجهِهَا ... إلى كلِّ من لاقت وإن لم تودَّدِ
فإنك ترى طباقًا فلسفيًّا جديدًا ما يزال أبو تمام يستخرج منه صورًا نادرة، وانظر إلى صاحبته فهي تودُّ من لا تود، وهو يثبت هذا التضاد الغريب بتلك المفارقة الطريفة؛ فوجهها يتودد بسحره وجماله، وإن رفضت هي هذا التودد وأظهرت الإباء والامتناع، أرأيت إلى هذا الطباق؟ أنه من نوع آخر غير طباق الذاكرة الذي رأيناه عند البحتري والذي يعتمد على العبث اللفظي حين نذكر الوصل فيأتي الهجر، والليل فيأتي النهار.
نَوافِرُ الأَضْدَادِ:
لم يكن أبو تمام يستخدم الطباق استخدامًا ساذجًا بسيطًا؛ بل كان يستخدمه استخدامًا معقدًا؛ إذ يلوِّنه بأصباغ فلسفية قاتمة ما تزال تغير في إطاره بل في داخله تغيرات تنفذ به إلى لون جديد مخالف للطباق؛ فإذا هو من طراز آخر غير معروف، طراز فلسفي إن صح هذا التعبير، ففيه تناقض وفيه تضاد وفيه هذه الصور الغريبة. وكان أبو تمام يستخدمه قاصدًا إليه عامدًا، وكان يسميه: نوافر الأضداد، يقول في مديح ابن أبي دؤاد:
قد غرستم غرس المودة والشَّحْـ ... ـناءِ في قلب كل قارٍ وبادي1
أبغضوا عزَّكم وودوا نداكم ... فقروكم من بغْضَة ووِدادِ2
لا عدمتم غريب مجدٍ رَبقتم ... في عراه نوافر الأضداد"3
قال المرزوقي: "يعني بنوافر الأضداد: ما قاله في البيت الثاني: الناس يحسدونهم لشرفهم ويحبونهم لجودهم"4؛ فهم يأتون بوصفين متضادين ويجمعون بين متناقضين.
وتعلقت هذه النوافر من الأضداد بعُرى تفكير أبي تمام وتصويره، ولم