فيه من قواعد والتزامات دقيقة؛ بل هم يعتمدون على فن آخر، لعله أكثر تعقيدًا وهو "فن التصوير" ولعله ذلك ما جعل "جب" يقول: إن أدب العرب أدب رومانتيكي1؛ فهو في أقدم نماذجه يغلب عليه الخيال و"التصوير". ومن يرجع إلى نماذج امرئ القيس وهو من أقم الشعراء الجاهليين2 سيلاحظ أنه يُعْنَى بالتصوير في شعره كأنه "التصوير" غاية في نفسه؛ فالأفكار تتلاحق في صفوف من التشبيهات، حتى تستتم هذا الفن من "التصوير" وكأنما القصائد برود يمانية؛ ففيها ألوان نقوش ورسوم على صور وأشكال كثيرة. وغير امرئ القيس من الجاهليين مثله، يعنى بالتصوير في شرعه عناية بالغة، كأنه أصل مهم من أصول صناعتهم، ونحن نسوق لقارئ قطعة من مطولته في وصف فرسه ليرى دليل رأينا؛ إذ يقول:
وقد أغتدي، والطيرُ في وُكُناتها ... بمنجردٍ قَيْد الأوابد هيكل3
مكر مفر مقبل مدبر معًا ... كجلمود صخر حطَّه السيل من عَلِ
كُميتٍ يَزِلُّ اللِّبد عن حال مَتْنِهِ ... كما زلت الصفواء بالمتنزَّلِ4
على الذَّبْل جَيَّاشٍ، كأنَّ اهتزامه ... إذا جاش فيه حمية غَلْيُ مِرْجَلِ5
مِسَحٍّ إذا ما السابحاتُ على الوَنَى ... أَثَرْنَ الغُبار بالكديد الْمُركَّلِ6
يَزِلّ الغلام الخف عن صهواته ... ويلوي بأثواب العنيف المثَقَّلِ7