درير كخُذروف الوليد أَمَرَّه ... تتابع كفيه بخيط موَصَّل1

له أَيْطَلَا ظَبْيٍ، وساقا نَعَامة ... وإرخاء سرحان، وتقريب تَتْفُلِ2

كأَنَّ على المتنين منه إذا انتحى ... مَدَاكَ عَرُوس أَوْ صَرايَة حَنْظَل3

كأنّ دماءَ الهاديات بِنَحْرِهِ ... عصارةُ حِنَّاءٍ بشَيْب مُرَجَّلِ4

فقد تراكمت التشبيهات في هذا الوصف وظهر فيها ضرب من التركيز والإيجاز، وارجع إلى قوله في البيت الأول: "قَيْد الأوابد" فقد كان القدماء يعجبون بهذه الكلمة إذ عبرت في إيجاز بالغ عن سرعة الفرس وحدته في الجري والنشاط؛ فهو قيد الأوابد كلما أرادها قَيَّدها، ولم تستطع إفلاتًا منه ولا فرارًا. وهذا الإيجاز البالغ يدل على مجهود عنيف كان يقوم به امرؤ القيس حتى يُلقي عن شعره كل إطناب فيه. ونحن لا نرتاب في أنه تعب تعبًا شديدًا قبل أن يجد هذه الكلمة الدقيقة التي تعبر عن تلك الصورة الواسعة. وحقًّا إن مثل تلك الكلمة لا يباع في الأسواق؛ بل لا بد للشاعر من مهارة خاصة حتى يستطيع أن يوفق إلى الكلمة التي ينشدها، وتلك مقدرة الشعراء الممتازين التي بها يتفاضلون. ويستمر امرؤ القيس في وصف هذا القيد؛ فإذا هو كالصخر في صلابته، وإذا شيء لا يستطيع أن يثب عليه لسرعته؛ بل كل شيء ينزلق عنه كما تنزلق الصخرة عن المطر أو كما ينزلق عنها من يريد شأوها. وهو يغلي ويجيش لازدياد عَدْوه وتوقد نشاطه. هو فرس سريع لا تقف سرعته عند حد معقول؛ فهو يصبُّ العَدْوَ صَبًّا، لا يثير نقعًا ولا غبارًا، وما أشبهه بالخروف في شدة دورانه وسرعة حركاته وهو يدور في يد الصبية دورانًا يُسْمَعُ له حفيف شديد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015