من يرجع إلى صناعة الشعر العربي في أقدم "نماذجه" يرى صعوبة هذه الصناعة، وأنها ليس عملًا غُفْلًا؛ بل هي عمل موسوم بتقاليد ومصطلحات كثيرة.
وتلك آثار الشعر الجاهلي تتوفر فيها قيود ومراسيم متنوعة، ولعل ذلك ما جعل "جويدي" يقول: "إن قصائد القرن السادس الميلادي الجديرة بالإعجاب تنبئ بأنها ثمرة صناعة طويلة"1؛ فإن ما فيها من كثرة القواعد والأصول في لغتها ونحوها وتراكيبها وأوزانها يجعل الباحث يؤمن بأنه لم تستوِ لها تلك الصورة الجاهلية إلا بعد جهود عنيفة بذلها الشعراء في صناعتها. وفي دراسة "موسيقى" الشعر الجاهلي ما يفسر بعض هذه الجهود، فالقصيدة تتألف من وحدات موسيقية يسمونها الأبيات، وهي تبلغ عادة أربعين بيتًا، وقد تزيد إلى مائة، وقد تنقص إلى عشرة، ويلتزم الشاعر في جميع هذه الأبيات وزنًا واحدًا يرتبط بنغماته وألحانه في "النموذج الفني" كله، كما يلتزم حرفًا واحدًا يتحد في نهاية هذه الأبيات يسمى الرَّويّ، ولا يكتفي بذلك بل ما يزال يوفر جهودًا ويلتزم أصولًا، من الصعب أن نلخص هنا جوانبها؛ فإن علمًا خاصًّا بل علمين يقومان على دراستها وبحث نُظمها، ونقصد علمي العروض والقافية.
وهذه الجهود والأصول الصوتية الخاصة في "النماذج الجاهلية" ليست كل شيء في صناعتها؛ فهناك أصول أخرى تستمد من "التصوير" إذ الشعر الجاهلي -كما وصلتنا نماذجه- لا يعتمد أصحابه على "فن الموسيقى" فقط وما يحدثون