الفن، مستمسكًا بأهداب إنجازاتهم، متتبعًا لأقوالهم، متبنيًا فكرهم؛ فالفنان عنده هو المثال والقدوة، أفلم يُكرِمه المُكرِمون، ويُسبِغوا عليه أوصاف الكمال؟ فهو إذًا - ولا ريب - طيب السريرة، نيِّر الفكر، مرهف الإحساس، أضف إلى ذلك أنه مجلبة لكل مسرة وحبور؛ مفتَّحة له أبواب الثروة والوجاهة! فهل تعجب بعدها إذا رأيت جحافلَ من الشباب والشابات تهرع إلى سبيل الفن، تترسم خطى أهله، وتحاول جهدها اللحاق بركبهم؟ ثم إذا ما عجز أحدهم عن السمو إلى النجومية، هيؤوا له - على وجه العَجَل - «أكاديميات» استوردوها، تأخذ بيده لتدله على معالم الطريق، ولتذكي فيه روح التنافس لبلوغ نهايته وإحراز قصب السبق فيه، فما الذي يرتجيه زيادة على ذلك؟ لقد حيزت إليه فرصة العمر التي لا تتكرر، أما هم فهمُّهم يتجه وجهة مغايرة تماماً، فالمبتغى عندهم استغلال مواهب الشاب - ولو كانت غير ملفتة غالبًا - للتنافس مع أقرانه، ليتم بعدها امتصاص ما في جيوب المشجعين، وتحقيق أرباح خيالية قد لا يجنى مثلُها من أي مشروع آخر! وبذلك تخسر الأمة - مرة تلو أخرى - العنصر الأهم في مقومات نهضتها، إنها الفئة الشابة التي تقوم على كاهلها حضارات الأمم.
ونحن مع كوننا قد حاولنا في ثنايا هذا الكتاب تلمس بعض آثار هذا الفن، ورصد جزء من الجهود الهدامة المتخفية بستاره، وتسليط الضوء على عموم حال أهله، وتسجيل إعلان توبة بعضهم، إلا أنه لا مناص لنا من الاعتراف بأن هذا الجهد المتواضع قد اقتصر على تشخيص هذه الآفة؛ وذلك من وجهة نظري، كمتابع يملك أدوات التشخيص، حيث سجلت الواقع بدقائقه، لكن - ولكوني غير