أن يقول ولا كبيرة؛ لأن وجود المؤاخذة على الصغيرة يلزم منه وجود المؤاخذة على الكبيرة، وإذا لم يعف عن الصغيرة لم يعف عن الكبيرة.
وإذ قدم في اللفظ الكبيرة احتاج إلى أن يقول ولا صغيرة؛ لأنه لم يعف عن الكبيرة فيجوز أن يعفو عن الصغيرة، فاحتاج إلى أن يذكر ما قال.
غير أن الكتاب العزيز أحق أن يتبع فيقاس عليه، فوجب ترك القياس لأجل هذه الآية1.
أقول: أما أولا فإن هذه الآية لم تذكر لبيان المؤاخذة والعفو، ولا أن معنى قوله "لا يغادر صغيرة ولا كبيرة" العقاب والغفران، بل معناه الإحصاء والعد.
ألا ترى إلى قوله سبحانه: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً} 2 "ليس المراد فيه" العقاب والغفران، بل معناه الإحصاء والعد؟ ألا ترى قوله: {إِلَّا أَحْصَاهَا} فهو أمر راجع إلى إحاطة علم الباري سبحانه بأفعال العباد خفيها وظاهرها وجليلها وحقيرها، فالذي توهمه هذا الرجل من كون هذه الآية لتفصيل أحوال المؤاخذة توهم باطل.
وأما ثانيا فلأن هذه الآية وردت لبيان أنه تعالى يعلم الكبائر من الذنوب والصغائر، وللناس خلاف مشهور في الكبائر والصغائر من الذنوب ما هي؟ فمعنى الآية أنه تعالى يعلم كبائر الذنوب وصغائرها.