وعلى هذا التفسير إذا قدم الصغيرة لا يلزم منه أن يستغني عن ذكر الكبيرة؛ لأنه ليس إذا علم الصغائر كان بأن يعلم الكبائر أولى، كما يقول القائل إذا أبصرت من عشرة فراسخ كنت بأن أبصر من فرسخ واحد أولى؛ لأنه ليس أحد نوعي الكبائر والصغائر بالنسبة إلى عالميته تعالى أجلى من الآخر على جميع مذاهب العقلاء، والأبصار على حد فرسخ واحد أولى لمن يبصر على حد عشرة فراسخ.

وأما ثالثا فلو سلمنا أنه لم يعن كبائر الذنوب وصغائرها، بل عنى الخفي من أفعال العباد وهي أفعال القلوب، والجلي الظاهر منها وهي أفعال الجوارح، فإنه لا يمكن حمل الآية إلى على أحد هذين المحملين ولا ثالث لهما، فلم يقتض القياس أن يقول لا يغادر صغيرة ولا كبيرة؛ لأنه قد قال التفسير عوض، وذلك بأن يقول ما لهذا الكتاب لا يغادر خفيا ولا جليا إلا أحصاه؛ لأن كل من أثبت أن البارئ تعالى عالم بأفعال الجوارح أثبته عالما بأفعال القلوب، كالدلالة على أنه تعالى بعلم الجزئيات عامة في القسمين، وليس أحدهما أولى بالتقدم من الآخر.

فإن قلت أليس قد ثبت في الإنس أن الجلي أولى بالمعلومية من الخفي، والقرآن العزيز يدل على ما يتعارفه الناس وخوطبوا به على قدر أذهانهم؟ قلت: إنه لو قال تعالى ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة إلا أحصاها، فربما يتوهم أن الكتاب موضوع لإحصاء فعل القلوب فقط، لا بمعنى أنه تعالى يعلم أفعال القلوب فقط، بل بمعنى أنه قد يتوهم أن الكتاب الذي فيه ذنوب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015