91- قال المصنف: وإنما قال سبحانه: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} ولم يقل أذهب الله نورهم؛ لأن كل من ذهب بشيء فقد أذهبه، وليس كل من أذهب شيئا فقد ذهب به، لأن قولنا ذهب به يفهم منه أنه استصحبه معه، وأمسكه عن الرجوع إلى حالته الأولى، وليس كذلك أذهبه1.
أقول: إن قوله إن الله تعالى ذهب بنورهم معناه أنه استصحبه ومضى، كما يقول القائل مررت بزيد وعنده سيف فذهبت به، أي أخذته ومضيت، وكما قال سبحانه: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا} 2 معناه أخذوا يوسف صحبتهم ومضوا، فإن قال نعم هكذا تفسير الآية فهذا كفر وتهجم. فأما قوله: كل من ذهب بشيء فقد أذهبه، بمعنى أنه أعدمه عن الوجود أصلا، لكنه قد أذهبه عن موضعه الأول الذي أخذ منه.
واعلم أن الغلط دخل عليه من اشتراك لفظة ذهب، فإنها تستعمل في معنيين أحدهما قولهم ذهب فلان في الطريق الفلاني، أي مضى فيه ونفذ فيه
ومنه سمي السبيل مذهبا؛ لأنه يذهب فيه أي يمضي فيه. وسمي قول الشاعر ويره مذهبا، كأنه صار طريقا فسلكه الفقهاء وغيرهم.