والمعنى الثاني ذهب بمعنى عدم وفقد، وقولهم ذهب الشباب وذهب العمر، أي فنى وعدم.

ولعل هذا الاعتبار الثاني هو الحقيقة الأصلية، والمحمل الأول هو المجاز، لأنه لما مضى زيد في تلك الطريق، فقد تقدم بالنسبة إلى غيرها، فسمى مضيه فيها ذهابا.

وإذا بان لك اشتراك اللفظ ظهر غلطه، لأنه توهم أن قوله تعالى {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِم} مثل قولنا: ذهب زيد بثياب عمرو واحتملها ومضى، وقد صرح بتفسير الآية على هذا الوجه، وهذا معنى لا يجوز أن ينسب إلى الله تعالى، لأنه لا تصح عليه الحركة، ولا استصحاب الأشياء واحتمالها من مكان إلى مكان، وعلى أنه لو صح عليه سبحنه ذلك لكان قوله أذهب الله نورهم أبلغ في المعنى من قوله ذهب الله بنورهم على هذا التفسير؛ لأن إعدام النور بالكلية أبلغ من قوله: {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُون} من أين يذهب بالنور بالتفسير الذي زعمه فيكون للنور وجود في الجملة، وإنما نقل من موضع إلى موضع؟

وإذ ظهر لك غلطه فاعلم أن معنى قوله: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} هو معنى قوله: "أذهب الله نورهم".

كلا اللفظتين تدل على معنى واحد، كما أن قولك فقدت بزيد مثل قولك فقدت زيدا، لا فرق بين الكلامين؛ لأن الأفعال اللازمة إذا أردت تعديتها عديتها تارة بحرف الجر وتارة بالهمزة، وتقول ذهب الشباب وذهب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015