أقول: إن هذين البيتين لا يصلح أن يمثل بهما على توكيد الضمائر، وذلك أن التوكيد ما لو حذف وبقي المؤكد يبقى اللفظ دالا على المعنى، إلا أنه غير مؤكد له كالآية التي استشهد بها، فإنه لو حذف أنت لبقي أنك الأعلى، وهو كلام مفيد للمعنى، إلا أنه غير مؤكد.

وكقوله تعالى: {إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} 1 وكقوله: {إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ} 2 ولو حذف أنت الثانية من بيت أبي تمام أو من بيت المتنبي لخرج الكلام عن الإفادة أصلا. وكيف يفيد هو مبتدأ وخبر، وقد حذف الخبر؟ ومراد أبي تمام لست أيتها المرأة كما كنت أعهد ولا الديار كما كنت أعهد، ولو قوله لا أنت أنت من باب التوكيد لكان قوله ولا الديار ديار من باب التوكيد.

وكذلك قول القائل:

فما الناس بالناس الذين عهدتهم ... ولا الدار بالدار التي كنت أعرف

وفي ذلك امتزاج أبواب البيان بعضها ببعض، وهو غير جائز.

ومراد المتنبي بقوله أنت أي أنت المشهور الذي يستغنى عن شرح صفاته وممادحه، كما يقول: قد قتل زيد بينه أسدا والأسد الأسد. وكقول الراجز:

"أنا أبو النجم وشعري شعري"

وهذا معنى آخر غير التوكيد، ولكنه قد اشتبه على هذا المصنف لا محالة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015