وينبه على الاستماع؛ لأنه باستمرار الخطاب على نمط واحد ربما قد يمل، فنقل من أسلوب الخطاب إلى أسلوب آخر مستأنف، ليطرأ على ذلك السهو الذي عساه حصل فيزيله، ثم لفرط العناية بالإفهام وقع ذلك في قصير الكلام حسب وقوعه في طويله، لا في كل قصير منه، كما أنه لم يقع في كل طويل منه، ولكن بحسب ما تقتضيه المصلحة.
ولهذه العلة أنزل في القرآن الكريم ألفاظ وحروف غير مفهومة، مثل طسم والمص وغيرها، ليعارض المشركون فيها عند سماعها، فيكون ذلك كالاستجرار لهم إلى سماع غيرها من الآيات المنزلة، فإنها إذا قرعت أسماعهم قرعها أمر غريب تنزع النفس عند سماعه، وتتشوق إلى معرفته، فينبعث الداعي إلى سماع ما بعدها ليفسر ما به، كما يفسر بعض الكلام ببعض، فتحصل الفائدة من وقوفهم على فصاحة القرآن وسر إعجازه.
ونظير اعتراض المصنف وهو قوله: لو كان هذا خوفا للملال لكان في طويل الكلام دون قصيره، أن يعترض هنا المثال الذي قد مثلنا به فيقال: لو كن هذا هو المراد من هذه الحروف لكانت في ميع السور بل في السورة الواحدة مرات كثيرة، لتكون أدعى للمشركين إلى تأمله. والجواب عن الموضعين واحد، وهو أن ذلك إنما يكون بحسب ما تقضي به المصلحة، ولهذا كرر سبحانه: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} 1 مرارا كثيرة في سورة واحدة، لما كانت