قال: وليس الأمر كما ذكر؛ لأن هذا الكلام يتضمن أن السامع قد يمل من أسلوب واحد، فينتقل إلى غيره لينشط المستمع للاستماع، وهذا قدح في الكلام، لا وصف له؛ لأنه لو كان حسنا لما مل1:
أقول: لكم قلت إنه إذا كان حسنا لا يمل، وهل الملال إلا من الملذ؟ ألا تراهم كيف يقولون مل فلان التنزه في البستان، ويقولون قد مللت من أكل الحلواء. ومللت من سماع الأغاني؟ ولأن الأشياء الكريهة المملولة لا يقال لها مللتها، ألا تراهم يستقبحون قول من يقول قد مل المحبوس من الحبس، والمضروب من الضرب؟ فالذي ذكره المصنف عكس الصحيح.
86- قال المصنف: وأيضا فلو صح ما قاله لكان الالتفات إنما يوجد في الكلام المطول الذي من شأنه أن يمله السامع لطوله، والأمر بخلاف ذلك؛ لأنا قد وجدنا الالتفات في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، ومجموع الجانبين معا لا يبلغ عشرة ألفاظ2.
أقول: لما كان مراد الواضع الإفهام للسامع، وكان الإفهام لا يحصل إلا بالإصغاء، احتال الواضع لتحصيل الإصغاء بكل طريق، فكان من تلك الطرق نقل الخطاب من الحضور إلى الغيبة وبالعكس، ليجد السامع ما يوقظه