من الحقوق، مؤكدًا على أن الاندماج الحقيقي لم يتم، لأنه لا يتم إلا على أساس المساواة. فلو استهدف الفرنسيون حقًا استمرار البناء الذي أقاموه، لاعتبروا الجزائريين مساوين لهم مع احتفاظهم بدينهم الإسلامي. وفي هذا قوله: «أشاء أهل أفريقيا اللاتينية أم أبوا، فنحن مسلمون كما نحن فرنسيون ... نحن أبناء البلاد ونحن فرنسيون» (64). ولا يخفف من حماسه في الدفاع عن الإسلام كونه قد درسه باللغة الفرنسية. فالإسلام، في نظره، إنما هو دين بسيط يبشر بالفضائل العائلية والديمقراطية النقية، ويدعو إلى استخدام العقل والمساواة الحقيقية. وهو قد جابه، بنجاح، المشكلة التي تجابهها فرنسا اليوم، أي مشكلة منح المساواة للذين ضمهم إليه ودمجهم فيه. وها هو اليوم يعود إلى الانتعاش بعد انحطاط طويل الأمد. ويذكر فرحات عباس، في مجرى بحثه، أسماء ابن سعود ومصطفى كامل ومحمد عبده (65).
ليس من المستغرب أن يذكر محمد عبده، إذ أن الإسلام الذي كان يدعو وطنيو شمال أفريقيا إليه، باستثناء ليبيا التي كانت تسودها ظروف خاصة، إنما هو الإسلام الإصلاحي الذي دعت إليه مدرسة محمد عبده. فأعضاء حزب «تونس الفتاة» وحزب «الدستور» في تونس كانوا على اتصال بحزب الإصلاح في جامع الزيتونة (66). وكان الإسلام الحقيقي الذي يبشر به العلماء الجزائريون هو الإسلام الذي بشر به محمد عبده. أما في المغرب، فقد كانت إحدى الروابط بين الوطنيين وبين السلطان مقاومتهم المشتركة لنوع التصوف الذي انتقده محمد عبده. ويعود ذلك إلى تأثير محمد عبده الشخصي، وهو الذي زار تونس مرتين وتعاون مع عدد من العلماء فيها، فضلًا عن تأثير شكيب أرسلان الذي دعا من جنيف، بعد جيل، إلى مزيج من الإصلاح الإسلامي والقومية العربية استهوى كثيرًا شباب شمال أفريقيا. ثم إن لذلك أسبابًا أخرى، منها أن أتباع الطرق الصوفية كانوا قد لعبوا، طيلة قرون عديدة، دورًا على