وقد اتخذت هذه الحركة أشكالًا مختلفة منذ 1926، إلا أنها كانت، منذ نشأتها، شديدة النزعة الوطنية، وذات سياسة اشتراكية راديكالية تتأثر بالشيوعيين بالرغم من مقاومتها لهم؛ كما كانت، بالوقت نفسه، تنادي بجعل اللغة العربية لغة رسمية، وبتقوية الأساس الإسلامي للمجتمع (59).
كان حتى أولئك الوطنيون المثقفون ثقافة فرنسية كاملة يحسون بتراثهم الإسلامي العربي. نعم، كان هذا التراث، منذ القدم، أضعف في الجزائر التي لم تعرف مدنها المراكز الثقافية الكبرى منه في تونس. ثم جاءت حروب الاحتلال الطويلة فقضت عليه تقريبًا. لكن عندما وعى الوطنيون شخصيتهم الجزائرية، شعروا بالحاجة إلى تأكيد جديد على ما يربطهم بالماضي قبل فوات الأوان. فإذا بمصطفى الأشرف يشدد، في بحث له عن الوطنية الجزائرية غني بالأفكار، على روابط هذه الوطنية بالجزائر القديمة السابقة لقدوم الفرنسيين (60). وإذا بفرحات عباس يبدي وعيًا لتراثه واعتزازًا به، حتى قبل أن يستخرج منه مستلزماته السياسية. لقد تم ببطء اهتداؤه إلى الوطنية الجزائرية بمعناها الكامل، وانتقاله تحت ضغط الأحداث، من مؤيد لفكرة إلحاق الجزائر بفرنسا، إلى مؤيد لفكرة الاتحاد بدون اندماج، ثم، في بيان 1943، إلى مطالب بجمهورية ذات حكم ذاتي مشتركة مع فرنسا، وأخيرًا، وبعد خيبة أمل طويلة الأمد، إلى مناصر لجبهة التحرير الوطنية (61). لكننا نراه، حتى في مجموعة أبحاث يعود صدورها إلى 1931، يتغنى بسعادة الجزائر قبل الاحتلال، ويتحدث عن بلد الفلاحين المزدهرين بالرغم من الحكم الفاسد (62)، ويندد بفظائع الفتح الفرنسي، «فظائع تلك السنوات الخمسين التي كانت بالنسبة إلينا السنوات المرعبة، إذ كنا نطارد بلا شفقة كالوحوش البرية» (63)؛ نعم، إنه يعترف بما للوجود الفرنسي من فضل في تزويد الجزائر بإدارة حسنة وتحقيق وحدتها الإقليمية، لكنه يأخذ عليه أنه جرد الجزائريين