بل المتضاربة (56). وبالواقع، لم يكن عنصر الرابطة الدينية العنصر الأقل شأنًا بين العناصر التي احتضنتها «جبهة التحرير الوطنية». فقد قاد الحركة الأولى لمقاومة الغزو الفرنسي في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن التاسع عشر الأمير عبد القادر، الذي كان الدين أساس سلطته، والذي عرف كيف يكتسب التأييد بمزيج إسلامي بحت من التقوى والمهارة السياسية. ثم قام بالحركة الثانية في 1871 رجال ينتمون إلى أسر ذات تراث من العلم والسلطة. وعندما نشأت طبقة جديدة من المثقفين في العقود الأولى من القرن الحالي، لم يسلك كل أعضائها طريق الوطنية الصرف الذي سلكه الشباب التونسي، بل بالعكس، كان الكثيرون من «المتطورين»، حتى أولئك الذين انتقدوا السياسة الفرنسية بعنف، مستعدين لقبول اندماجهم بفرنسا لقاء إزالة المساوئ العملية التي كانوا يعانونها ومنحهم حقوقًا متساوية، شرط أن لا يفقدوا، كمسلمين، استقلالهم في أحوالهم الشخصية (57). وعندما أخذت المقاومة للفكرة القائلة بـ «جزائر فرنسية» تظهر من جديد، كان أول ما ظهرت في أوساط حركتين كان تفكيرهما إسلاميًا أو تفكيرًا يتضمن عنصرًا إسلاميًا. الأولى رابطة العلماء الجزائريين التي تأسست في 1931، والتي استمدت وحيها من بن بادس، سليل إحدى الأسر في قسطنطينية، تلك التي حافظت وحدها تقريبًا على مكانتها منذ القرون الوسطى. كان هدف هذه الرابطة الأول نشر معرفة الإسلام الحقيقي وتوسيع نطاق التربية الإسلامية بشتى الوسائل، منها إنشاء المدارس. لكن نشاطها اعتورته مضاعفات سياسية. فقد كانت تعتقد أن اليقظة القومية الحقيقية لا تقوم إلا على أساس حياة دينية صحيحة، مما حملها على مقاومة فكرة «الاندماج». وهي بتشديدها على الوحدة الإسلامية، شددت أيضًا على وحدة الجزائريين الوطنية ونادت بشخصية الجزائر الإسلامية وباستقلالها في المستقبل بمعونة فرنسا (58). أما الحركة الثانية، فهي التي أسسها مصلي حاج بين العمال الجزائريين في باريس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015