الشعور الوطني، في أثناء الحرب العالمية الثانية، مستوحاة من رجال الدين (55). وعندما استيقظ الوعي الوطني في الثلاثينيات في صفوف الشباب من أبناء الأسر الكبرى في المدن، لم تظهر هوة بين العناصر العلمانية والعناصر الدينية، ولم تتغلب الفئات العلمانية ودعاة الغرب، كما حدث في بعض البلدان الأخرى. ويعود ذلك إلى أن الاحتلال الفرنسي هنا لم يكن قد مضى عليه وقت طويل، فبقيت اللغة العربية قوية في أوساط العائلات البورجوازية الكبرى. لذلك لم تنشأ طبقتان مثقفتان منفصلتان. بل إن الشعور بالاستياء الذي أثارته محاولة الفرنسيين في 1930 لإنشاء محاكم للبربر خاصة بالأحوال الشخصية وفقًا للعادة لا للشريعة، جعل أولئك الذين كانوا يحرصون على الوحدة المغربية وأولئك الذين أغضبهم التهجم على الشريعة المنزلة يقفون معًا في صف واحد. وعندما أيد السلطان القضية الوطنية، خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها، التف حوله شطر كبير من الرأي العام. وهكذا تمكنت الفئات الدينية والعلمانية من العمل معًا في وضع أول مخطط للإصلاح عام 1934 وفي تأسيس حزب الاستقلال عام 1935.

قد يبدو أن الحركة الوطنية في الجزائر قد شذت عن هذا الخط. فهي، إذ أصبحت قوة سياسية فعالة، وأعلنت الثورة في 1954، وألفت جيشًا وحكومة في المنفى، إنما تزعمها رجال معظمهم شبان تثقفوا في الجيش الفرنسي أو في المدارس المهنية، واستعملوا في تثقيفهم وعملهم السياسي اللغة الفرنسية، واستمدوا من فرنسا نظرتهم إلى الخطط السياسية وتنظيم الحكم، ومن الراديكاليين الأوروبيين أفكارهم في التنظيم الاجتماعي والاقتصادي. وكان من الواضح أنهم كانوا يأملون، بعد إحراز النصر، أن يعملوا جذريًا على إعادة بناء المجتمع الجزائري ويجعلوا من الجزائر الدولة الأكثر عصرية بين الدول العربية. لكن لا يخفى أن من مهام الثورات الوطنية هو أن تخلق أمة، أي أن تجمع في بوتقة واحدة العناصر المختلفة، لا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015