وعي شامل للتاريخ الإسلامي ولمركز تونس فيه ولمركز الإسلام فيها. وقد بدا له، يوم كان حديث السن، أن انعقاد مجمع أو خرستي في تونس إنما هو إهانة لشعبها المسلم (53). وهو لا يؤمن بوجوب إقصاء الدين بقدر ما فعلت تركيا، إذ فيه إضعاف للوحدة الوطنية. لكنه لا يؤمن، من جهة ثانية، بجواز تطبيق الشرائع الدينية تطبيقًا ضيقًا يعرقل العمل في سبيل الخير العام. فقد أكد، في نقده للصوم في رمضان، أن من الضروري تفسير مبادئ الإسلام بمرونة. فكما أعفت المسلمين في الماضي مشاق السفر من فريضة الصوم، كذلك يجب أن يعفيهم منها اليوم العمل الشاق الذي يتطلبه الإنماء الاقتصادي في بلد متخلف كتونس (54).

إذا كانت هذه النزعة الإسلامية حاضرة في ذهن أشد السياسيين التونسيين وعيًا للدعوة العلمانية، فأحر بها أن تكون أكثر حضورًا في ذهن الآخرين. فقد كان جامع الزيتونة، منذ قرون، دارًا للعلوم الإسلامية في شمال أفريقيا. ثم أصبح، تحت الاحتلال الفرنسي، مركزًا لمقاومة المحاولات الرامية إلى الإضعاف من شأن اللغة العربية. وكان هناك مؤسسة أخرى جديدة، أنشأها خير الدين، لعبت دورًا مماثلًا. إنها «المدرسة الصادقية» التي درجت على تزويد الطلاب بتربية عصرية وعلى توجيه عناية خاصة باللغة العربية إلى جانب اللغات الأوروبية. وقد لعبت النزعة الإسلامية هذه دورًا مهمًا أيضًا في الحركات القومية في بلدان شمالي أفريقيا الأخرى. فالسنوسية في ليبيا هي التي نظمت حركة المقاومة ضد الطليان. وهي حركة دينية إصلاحية كانت تتمتع بنفوذ كبير في برقه قبل دخول الطليان، كما كانت القوة الوحيدة القادرة على الوقوف في وجههم. وفي المغرب، حيث كانت الروح العصرية عند فرض الحماية الفرنسية في 1912 لم تمس بعد نسبيًا جهاز المجتمع التقليدي، لعب جامع القرويين في فاس دورًا مماثلًا لدور جامعي الزيتونة والأزهر في استقطاب الشعور العام. فكانت المحاولات المغربية الأولى لإثارة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015