مصالح الجماعات والأفراد، لأنه بذلك فقط يمكن ضبط النزعة الشديدة في تونس وفي بلدان عربية أخرى نحو الفردية والتفكك (50). ويجب أن تكون دولة تونسية قبل كل شيء. فقومية بورقيبة إقليمية أكثر مما هي عنصرية، بالرغم من إيمانه بوحدة شمالي أفريقيا كهدف نهائي. وقد تخلل خطبه إحساس حي بالمكان والزمان وبقيم الحياة الحضرية في الأرياف. ومما قاله: «كان علينا أن نتخلص من الحياة القبلية التي كانت تعبث بالبلاد والتي، بإذكائها روح العشيرة، تتنافى مع بنيان حضارة حقيقية، إذ لا حضارة إلا للشعوب الحضرية» (51). لذلك كانت الأهداف الملحة للسياسة الداخلية هنا، كما في مصر، بعث حياة مزدهرة في الأرياف والمدن، وزيادة الإنتاج، وتوزيع ثماره بقسط أوفر من المساواة. لكن بورقيبة فضل تحقيق هذه الأهداف بواسطة حزب قوي متجانس منضبط على تحقيقها بواسطة الجند.
وينظر بورقيبة إلى تونس نظرته إلى دولة منتمية إلى الغرب، تحترم الحرية والعقل والنظام في الحياة الاجتماعية. فهو متأثر بباريس الجمهورية الثالثة حيث ترعرع، وبمبادئ الثورة الفرنسية. ولم يفقد يومًا، في أثناء الحرب العالمية الثانية، إيمانه بانتصار إنكلترا وفرنسا والولايات المتحدة النهائي. كما أنه لم يقبل، حين وقع في قبضة الطليان، أن يلزم نفسه بتأييدهم، بل راح بحث أتباعه على مساعدة الحلفاء بلا قيد ولا شرط (52). لكن هذا لا يعني أنه كان يفضل مصلحتهم على مصلحة بلاده. فهو يشدد في كتاباته على الذل الشخصي في الانتماء إلى شعب مستعمر، ويوجه النقد اللاذع إلى فرنسا على قلة السخاء في موقفها من الأقاليم المستعمرة الطامحة إلى الاستقلال. وقد أفسد دعمه للقضية الجزائرية علاقاته مع فرنسا، حتى قبل أن كادت أزمة بنزرت أن تقضي عليها.
كذلك لا يعني تمسكه بالقيم الغربية تجاهلًا لروابط تونس بالعالم الأسيوي الأفريقي أو لماضيها الإسلامي. والواقع أنه كان على