تضمن السلطة حقوق الأفراد، وأن يكون القضاء مستقلًا، وأن يكون للتونسيين حق الفرنسيين في شراء أملاك الدولة. إلا أن لهجة الكتاب كانت تعكس، بوضوح، شعور الاعتزاز الوطني والمرارة ضد فرنسا. وقد تزعم عبد العزيز الثعالبي هذا الحزب ونطق باسمه. ومع أنه تربى تربية إسلامية تقليدية وتأثر بمحمد عبده، فقد تعاون مع الشباب التونسي المثقف ثقافة عصرية. لكن لم تكد أن تمضي عشر سنوات حتى أخذ يتحدى زعامته فريق من الشبان انتظم في حزب «الدستور الجديد» ووضع نصب عينيه استخدام ضغط الرأي العام والقيام بما يلزم من العمل لتحقيق الاستقلال التام. ولما عاد الثعالبي إلى تونس في 1937، بعد أعوام من النفي، خسر المعركة التي شنها الحزب الجديد على زعامته، فانتقلت الزعامة الوطنية إلى مؤسسه ورئيسه الحبيب بورقيبة. ومن ذلك الحين قاد الحبيب بورقيبة معركة الاستقلال، إلى أن حالفه الفوز في 1955، فبنى الدولة التونسية مع رفاق له كان الاستقلال يعني لهم الدخول في العالم الجديد وفي مجتمع الثقافة الأوروبية الحديثة.
وقد تجلى أثر الثقافة الغربية العميق بوضوح في ما كتبه وأعلنه أعضاء حزب «الدستور الجديد». ففي «يوميات»، خلفها وراءه في المنفى طاهر سفار، أحد أعضاء الحزب القدماء، تبرز أمامنا سعة اطلاعه على الثقافة الفرنسية، فضلًا عن ما تتصف به هذه الثقافة من ملكة التحليل الذاتي الدقيق وتمحيص المشاعر الخلقية. فهو، مثلًا، عندها يتأمل في معنى التضحية، يضرب على وتر لم يعهده الأدب السياسي العربي من قبل بقوله: «غالبًا ما يرافق التضحية الجماعية نشوة الفرح. إنها تضحية متهللة. أما التضحية الفردية، فهي كئيبة ... والإنسان يحب ما يفقد» (45).
كذلك كان التأثير الغربي عميقًا في أساليب الدستوريين الجدد السياسية. فقد كانوا السياسيين العرب الوحيدين الذين نجحوا في تنظيم نقابات العمال واستخدامها في النضال السياسي. ويرجع