ما اقترفته السياسة الفرنسية من أخطاء. أما مبتغاهم، فلم يكن الاستقلال التام، بل مركزًا أفضل تحت نظام الحماية، يتحقق بتقييد سلطة الباي المطلقة، ووضع دستور للبلاد، وإعطاء التونسيين حصتهم من أملاك الدولة التي كانت توزع على المستوطنين الأوروبيين (وهم لم يرفضوا مبدئيًا الاستيطان الأوروبي)، وتشجيع صناعتهم وزراعتهم (وقد كان لهم آراء دقيقة وناضجة حول الإنماء الاقتصادي)، وجعلهم مؤهلين للترقية حتى إلى أرفع المناصب في الإدارة (39). ولعل أهم ما أرادوه، بالإضافة إلى ذلك كله، فتح عدد أكبر من المدارس الحديثة. وليس لنا أن نستغرب كيف يطالب رواد النزعة الوطنية بالتربية الفرنسية، بينما كان ممثلو المستوطنين الأوروبيين يصرون على ضرورة تثقيف أهالي شمالي أفريقيا ثقافة عربية قائمة على التفسير الليبرالي للقرآن ومشتملة على تلقين مبادئ العلوم والزراعة باللغة العربية، مستندين في ذلك إلى المبدأ القائل بأن على أبناء البلاد أن يتطوروا ضمن نطاق مدنيتهم الخاصة بهم. وقد أجابهم التونسيون بالقول إن هذا المبدأ، إن صح في حقلي الأدب والفن، لا يصح في ميدان الحياة الاقتصادية التي لم يكن فيها من درب معبد سوى الذي سارت عليه أوروبا وأميركا. لذلك، فمع تدريس علوم اللغة العربية وآدابها بإتقان، يجب على السلطات تدريس علوم العصر باللغة الفرنسية وفي مدارس عصرية (40). وقد أدى نشاط هذا الفريق إلى إنشاء «الخلدونية»، وهي رابطة توخت إطلاع الذين تربو تربية تقليدية في المدارس القرآنية وفي «جامع الزيتونة» على العلوم العصرية.

وقد نهج بعض الجزائريين المتخرجين من مدارس فرنسا العليا في ذلك الوقت النهج ذاته تقريبًا، فأكدوا أن على الفرنسيين أن يتحاشوا مخاطر عصيان جزائري جديد كعصيان 1871، فيحسنوا حال الجزائريين، وذلك بتوسيع تمثيلهم في المجالس المحلية، وإفساح المجال أمامهم لتحصيل ثقافة عصرية، وإعدادهم إعدادًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015