تتناسب مع حاجات الجاليات الفرنسية أكثر مما تتناسب مع حاجات سكان البلاد الأصليين، مما كان يشكل خطرًا على مؤسسات تونس والمغرب السياسية وعلى مركز اللغة العربية فيهما، كما أنه خلق صعوبات عديدة للشعبين، لاضطرارهما إلى التعامل مع الدولة الأجنبية بلغة أجنبية ولحرمان أبنائهما من احتلال مناصب مهمة في الإدارة. وقد استنفد السعي لمجابهة هذه الصعوبات نشاط أهالي أفريقيا الشمالية لعشرات السنين.

ففي الجزائر، كانت البورجوازية القديمة وطبقة أصحاب الحرف اليدوية قد اضمحلت إلى حد كبير في أثناء الاحتلال، ولم تأخذ طبقة جديدة وسطى في الظهور إلا بعاه 1860 (37)، كما لم تنشأ طبقة من الجزائريين المشبعين بالفكر الفرنسي إلا بعد إصلاح نظام التربية في أواخر الثمانينيات. كذلك لم تظهر في تونس طبقة مماثلة إلا بعد جيل من الحكم الفرنسي. وعن هذه الفئات انبثقت حركة فكرية سياسية جديدة اتجهت نحو إقناع الفرنسيين بأن التونسيين والجزائريين مستعدون لموالاة النظام القائم، إذا توفر لهم فيه مركز أفضل. وكان من دعاة هذه الحركة «تونس الفتاة» المؤلفة من فريق من الشبان المثقفين المتحدرين خصوصًا من أصل تركي، والذين أخذوا على عاتقهم، في أواخر القرن التاسع عشر، مهمة الإسهام في تثقيف أبناء الوطن. وقد عبر هؤلاء عن أفكارهم ببلاغة في جريدة «التونسي» التي أصدرها في اللغة الفرنسية علي باش همبا في تونس من 1907 إلى 1910، وفي المذكرات التي رفعوها إلى مؤتمري أفريقيا الشمالية المنعقدين، الأول في مرسيليا في 1906، والثاني في باريس في 1908 (38). وكانت نقطة الانطلاق في تفكيرهم واقع الحماية الفرنسية، الذي قبلوا به قبولًا تامًا. ولم يكن قبولهم هذا ناجمًا عن مجرد مهارة سياسية، بل عن أنهم كانوا، كغيرهم من قومي زمانهم، قد استمدوا مبادئهم من مبادئ الثورة الفرنسية، ووثقوا بالوجدان الليبرالي الفرنسي، آملين منه أن يصلح في المستقبل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015