المبادئ المقبولة من معظم القوميين. فمحاولتها إثارة صغار المزارعين ضد كبارهم وضد كبار الملاكين جاءت تتنافى وفكرة الوحدة الوطنية التي كانت تعتبر عقيدة مقدسة من عقائد القومية (36). كذلك كانت دعوة تلك الأحزاب إلى سياسة الحياد خطة لا مبدأ. وقد برز هذا الخلاف بين الشيوعية والقومية بروزًا علنيًا خلال السنوات التي كان فيها للشيوعيين نفوذ كبير في العراق، إذ تباينت تباينًا شديدًا سياسة الشيوعيين عن سياسة القوميين بشأن إصلاح نظام الأملاك، والأقليات، والوحدة العربية. ولم يصدر في اللغة العربية حتى الآن، باستثناء بعض المؤلفات المصرية، أي تحليل وافٍ لمشاكل المجتمع العربي يرتكز إلى معرفة ناضجة للفكر الماركسي.

في هذه الحقبة من الزمن بدأت شمالي أفريقيا الناطقة بالضاد تسهم في التيار الرئيسي للفكر العربي. فحركة الإصلاح والتفكير العصري اللذين عرفتهما تونس في أواسط القرن التاسع عشر لم يكونا بدون تأثير في العالم العربي الشرقي. لكن الاحتلال الفرنسي للجزائر في 1830 ولتونس في 1881 ولمراكش بين 1912 و 1914 وضع هذه البلدان أمام قضية خاصة بها. وهذه القضية لم تنشأ عن مجرد وقوع هذه البلدان تحت السيطرة الفرنسية، بخلاف معظم بلدان الشرق الأوسط التي كانت واقعة تحت السيطرة البريطانية؛ ولا عن سياسة الفرنسيين في الحد من تسرب الأفكار السياسية الخطرة من الشرق العربي إليها؛ وإنما نشأت، بالأحرى، عن أن احتلال فرنسا الشمالي أفريقيا اختلف نوعيًا عن السيطرة البريطانية أو الفرنسية في الشرق الأوسط. فقد كان لهجرة المزارعين ورجال الأعمال وأصحاب المهن من الفرنسيين إلى الجزائر أولًا، ثم إلى تونس ومراكش، نتائج مهمة، هددت شباب شمالي أفريقيا بالاستعباد الدائم أو بخسارة أراضيهم تدريجًا، وزادت في صعوبة حصولهم على الاستقلال برغم فرنسا أو برضاها، كما أدت إلى إقامة إدارة فرنسية (مباشرة في الجزائر وغير مباشرة في البلدين الآخرين)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015