تاريخية وثقافية يكون لهما من القوة متحدين أكثر مما يكون لهما منفصلين (29). كذلك اعتبر الرابطة بين البلدان الإسلامية رابطة مصلحة سياسية قائمة على شعور مشترك. فالحج إلى مكة لم يكن، في نظره، بطاقة سفر إلى الجنة، بل «مؤتمرًا سياسيًا دوريًا» لبحث التعاون بين البلدان الإسلامية (30).
كان المبدأ الموجه لهذه الأنظمة والأحزاب مبدأ المصلحة القومية، أي حق كل مجتمع في العمل وفقًا لمصالحه. غير أن هذا المبدأ، وإن كان هو المبدأ السائد، وجد من يعارضه. فقد كانت هناك نزعات فكرية أخرى تهتم أيضًا بالمصلحة القومية، لكنها لم تكن لتعتبرها المبدأ الموجه للمجتمع، كالإخوان المسلمين، والكتاب المتصلين بهم في مصر، وعلى درجة أقل، في بلدان عربية أخرى. وقد لعب الإخوان المسلمون دورًا مهمًا في السياسة المصرية خلال فترة البلبلة التي سادت مصر من 1945 حتى 1954، ثم كفوا عن نشاطهم العلني بعد قمع حركتهم في 1954. لكن نوع التفكير الذي يمثلونه لم يفقد أهميته. لقد اعتقدوا أن القومية ليست أمرًا كافيًا بحد ذاته، وذلك لا لأنهم تطلعوا إلى مجتمع إسلامي أوسع يقوم ما وراء الأمة فحسب، بل لأنهم آمنوا بأنه ينبغي للجماعة، قومية كانت أم دينية، أن تسعى وراء خيرها ضمن الحدود التي وضعتها لها الشريعة الدينية.
كان حسن البنا، مؤسس هذه الحركة، يتردد في حداثته على حلقة رشيد رضا. ثم حاول، فيما بعد، متابعة إصدار مجلة «المنار» بعد وفاته (31). وهذا له مغزاه. وهو أن الإخوان المسلمين قد تبنوا نظرة رشيد رضا العامة، مع أنه ربما لم يكن ليوافق هو على أساليبهم السياسية. فعلى غراره قبحوا التجديد في العقيدة والعبادة، وأقروا ما للعقل وللخير العام من حقوق في حقل الخلقية الاجتماعية، لكنهم أصروا على إبقاء مفعول هذه الحقوق ضمن الحدود التي فرضتها مبادئ الإسلام الخلقية (32). أما كيفية تطبيق هذه المبادئ