وتحويل الرأسمال الأجنبي والمصري عن توظيف الأموال في الأراضي والبنايات إلى توظيفها في الصناعة. وإذ كان من طبيعة الأنظمة الجديدة التي تقوم على أنقاض أنظمة قديمة أن تحتفظ بزخمها الثوري، وإذ أثبت إصلاح 1952 الزراعي عجزه عن سد حاجات الفقراء من الفلاحين، فقد انحرفت سياسة مصر الاجتماعية والاقتصادية في 1961، ربما أيضًا بتأثير من بعض أعضاء الكتلة الأسيوية الإفريقية، انحرافًا حادًا نحو تأميم الصناعة وفرض رقابة الدولة على الحياة الاقتصادية بكاملها.

أما الإحساس الثاني الذي هيمن على توجيه السياسة المصرية، فهو الإحساس بالتضامن مع الأمم الأسيوية الإفريقية الساعية إلى التحرر من السيطرة الأوروبية، وبالحاجة إلى الاتحاد لمجابهة خطر الدول الكبرى. وفي هذا الإطار، نمت سياسة مصر العربية وتطورت. فقد كان من الطبيعي لمصر، بعد أن سمح لها جلاء إنكلترا عنها بتقرير سياستها بنفسها، أن تعمل على تعزيز علاقاتها وإنشاء صداقات لها في المنطقة العربية المحيطة بها. فاتجهت سياستها، منذ توقيع المعاهدة الإنكليزية المصرية في 1936، اتجاهًا متزايدًا نحو دعم الوحدة العربية واستقلال العرب. ثم جاء النظام العسكري يتابع هذا النهج ويدفع به إلى الأمام. ويشرح الرئيس عبد الناصر بنفسه العاملين اللذين حملاه على انتهاج سياسة عروبية، فيقول إنهما الحرص على مصالح مصر العسكرية الدفاعية، والعطف على البلدان العربية الأخرى التي كانت تجابه قوة بريطانيا وفرنسا (28). غير أن تمتع مصر، لمدة طويلة، بكيان منفصل، ونمو وطنية مصرية صرف في العصر الحديث، لونا مفهومها للوحدة العربية بلون خاص. فالخطابات التي ألقاها الرئيس عبد الناصر، بعد الوحدة المصرية السورية، تبين بوضوح أن هذه الوحدة لم تكن تعني له ما كانت، قبل كل شيء، تعني للسوريين، أي إحلال نظام طبيعي محل نظام سياسي مصطنع، بل كانت تعني له أن شعبين تربط بينهما روابط

طور بواسطة نورين ميديا © 2015