جزء جوهري من القومية العربية.
لم يكن البعث شيوعيًا، بل اشتراكيًا ينادي مبدئيًا بالديمقراطية الدستورية، لكنه ارتبط إلى حد كبير بنظام الحكم العسكري في مصر خلال السنوات السابقة لقيام الجمهورية العربية المتحدة. وما ذلك إلا لأن سياسته الخارجية كانت حيادية، ولأن علاقاته الخارجية كانت وثيقة مع الكتلة الأسيوية الإفريقية التي كان الرئيس عبد الناصر أحد زعمائها (24). بيد أن هناك سببًا إيجابيًا وطبيعيًا لذلك، هو تطلع الراغبين في إحداث تغييرات سريعة في منطقة لم يكتمل وعيها السياسي بعد إلى قوة ما تستطيع أن تحقق بنفسها ما يحققه ضغط الرأي العام المثقف والمنظم في بلدان أخرى. وفي ذلك يقول أحد مراقبي الحياة السياسية العربية: «أن طبقة الضباط العرب النبهاء غدت مستودع القوة السياسية الواعية في وقت كانت فيه الطبقة الحاكمة التقليدية قد أفلست، ولم تكن القوى الأخرى النامية قد تبلورت بعد، فأخذت الجماهير ترى بالفعل في هذه الطبقة «المخلص المنتظر» (25) والواقع أن الفئة العسكرية المصرية كانت، من بين جميع الفئات العسكرية التي تسلمت الحكم في مختلف البلدان، الفئة التي أحرزت أقصى النجاح في استقطاب آمال القومية العربية وأمانيها ومطامحها. على أن «الناصرية»، على حد قول المراقب المذكور، هي حركة راديكالية اختبارية. «فهي ليست عقيدة، بل موقفًا ذهنيًا» (26)، إذ عنيت أولًا بمصالح مصر كما فهمتها، وسعت لتأمينها بوسائل مختلفة ومرنة، معبرة بذلك عن إحساسين كانا واسعي الانتشار في مصر وفي بلدان عربية أخرى. أولهما هو الإحساس بمصلحة طبقة الفلاحين التي خرج منها معظم القادة العسكريين. لذلك عمدت الناصرية، من البدء، إلى انتزاع ملكية الأراضي من كبار الملاكين، فدشنت تلك السياسة التي وصفها الرئيس عبد الناصر بـ «السياسة الاشتراكية الديمقراطية التعاونية» (27)، والتي رمت إلى إنشاء تعاونيات زراعية، وإلى تحسين الأوضاع الاجتماعية في القرى،