القومية، حين تأسس في دمشق في الأربعينيات، فلعب دورًا مهمًا في لبنان والأردن والعراق فضلًا عن سوريا، كما كان له ضلع كبير في قيام الجمهورية العربية المتحدة في 1958. كان هذا الحزب يطمح إلى تسلم الحكم، فلم يسمح لنفسه بتحديد موقفه التحديد الدقيق الذي من شأن المفكر المنعزل أن يقوم به. غير أن دستوره انطوى ضمنًا على عقيدة متناسقة وصفها مؤسسه، ميشال عفلق، بأنها عقيدة عروبية شاملة قبل كل شيء، تقول بـ «أمة عربية ذات رسالة خالدة» (21)، وترى أن الرابطة القومية بين الفرد وأمته هي أساس الفضيلة السياسية، وأن هذه الرابطة لا يمكن أن تكون إلا رابطة عربية لدى كل من كانت لغته عربية وكان مستوطنًا بلدًا عربيًا ومؤمنًا بانتمائه إلى الأمة العربية (22). وهي تستبعد كل انتماء إلى وحدات إقليمية أو دينية أصغر، وتعتبر جميع البلدان العربية أجزاءً متساوية من الأمة العربية الواحدة.

وكان بين الانتقادات التي وجهها ميشال عفلق إلى القومية القديمة أنها بلا محتوى. وهكذا ألح «البعث»، في سنواته الأولى، على المحتوى الإسلامي للقومية العربية، واعتبر أن الإسلام هو ثقافة العرب القومية والصورة الحقيقية والرمز الكامل الأبدي لطبيعة الذات العربية، وأن محمدًا يخص «العرب كلهم». كما حذر هذا الحزب من خطر فصل الدين عن القومية الذي تعرض له الأوروبيون (23). لكن ميشال عفلق رأى جوهر الإسلام في ميزته «الثورية»، فراح الحزب، فيما بعد، خصوصًا بعد اندماجه بحزب أكرم الحوراني الاشتراكي، يلح إلحاحًا أشد على الحاجة إلى الثورة الاجتماعية، فاشتمل برنامجه على إعادة توزيع الثروة، والحد من ملكية الأرض، والضمان الجماعي، وسن تشريع للعمل، وإنشاء نقابات حرة، وتأمين حد أدنى لمستوى المعيشة، مع التأكيد على أن الاستقلال العربي والوحدة العربية والعدالة الاجتماعية لا يمكن أن تتحقق، بعضها بمعزل عن البعض الآخر. ذلك أن الاشتراكية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015