التحرر والوحدة (18).
وقد برز التوتر القائم بين مختلف أنواع القومية هذه في مؤتمر لكتاب العرب عقد في القاهرة عام 1957. فمن خلال المناقشات التي تناولت الأدب الخالص والأدب الملتزم، طرحت استطرادًا قضية الحرية الفردية والمصلحة القومية، فشدد طه حسين، وكان إذ ذاك عميد الكتاب العرب ومناصرًا، لا للقومية المصرية الصرف، بل للقومية العربية، على أن ما يميز روح القومية العربية جوهريًا إنما هو الحرية والتسامح؛ كما جعل مندوب تونس من الحرية الفكرية شرطًا لفعالية الأدب، بينما ألح غيرهما على مسؤولية الكاتب تجاه أمته، فقال أحدهم: لا نريد حرية تتناقض مع الحقيقة (19). وقد تكشفت الحرب الأهلية في لبنان عام 1958 عن توتر مفجع بين نوعين من القومية. فقد قام في لبنان، منذ 1943، «ميثاق وطني» بين الذين يؤمنون بلبنان مستقل متصل بالغرب، ومعظمهم من المسيحيين، وبين الذين يؤمنون بأن لبنان، على تمتعه بكيان منفصل، إنما هو جزء من العالم العربي، ومعظمهم من المسلمين. فقبل هؤلاء بأن يعترفوا باستقلال لبنان، على أن يقبل أولئك بأن ينسق لبنان سياسته وفقًا لسياسة الدول العربية. وقد أخذ هذا الاتفاق يتزعزع، بعد 1954، بظهور قومية عربية حيادية جديدة متطرفة، وبتمنع الدول الغربية عن القبول بحياد الشرق الأوسط. فأدت مخاوف القوميين اللبنانيين، والثقة المتزايدة لدى القوميين العرب الممزوجة بنقمة المسلمين على انحصار السلطة في أيدي المسيحيين، فضلًا عن عوامل شخصية مختلفة، إلى إضرام حرب أهلية خمدت بتأكيد جديد «للميثاق الوطني»، الذي بقي، بالرغم من ذلك، سريع العطب (20).
وقد نشأ كذلك توتر مماثل في بلدان عربية أخرى. غير أن موجة الشعور بين الشباب كانت تتدفق، على العموم، نحو قومية عربية أكثر شمولًا. وقد أعطى «حزب البعث» شكلًا سياسيًا لهذه