خوضها. لكنه انصرف، من جهة أخرى، إلى الكشف عن مصادر الضعف الكامنة، بوجه عام، وراء هذه الأخطاء، كعدم وجود وحدة دائمة وثابتة فيما بينهم، والخلل في أجهزة الحكم، وغياب الوجدان السياسي عند الشعوب العربية، وفقدان الاتصال بينها وبين حكوماتها. ثم يقول إن لا قدر للعرب على صد التوسع الصهيوني إلا بالوحدة الحقيقية بين بلدان الهلال الخصيب أولًا (مع الاحتفاظ بوضع خاص للبنان)، وبإصلاح أنظمة الحكم إصلاحًا يجعل منها أنظمة دستورية حقة، يوجه العقل سياستها، والعلم إدارتها، وتعني بخير الشعب، ويكون فيها الحق في الحرية وفي العمل وفي الأمن وفي الخدمات الاجتماعية معترفًا به. إذ لا يمكن أن يكون ثمة أمة بالمعنى الحقيقي إلا إذا كان فيها للشعب ما يملكه ويدافع عنه.
لقد وضع قسطنطين زريق وموسى العلمي ثقتهما، عند تفصيل وسائل تحقيق هذه الإصلاحات، حيث وضع القوميون الليبراليون ثقتهم، أعني في النخبة المخلصة العاملة على خلق رأي عام متنور وعلى استخدامه لتحقيق الإصلاح سلميًا. لكن هناك، حتى بين الذين شاركوهم نظرتهم العامة إلى الأمور، من كان يشكك في فعالية هذه الوسائل. فادمون رباط، الذي كان، لعشرين سنة خلت، من ألمع الداعين إلى القومية، يؤكد، في محاضرته عن «مهمة النخبة»، أن القومية إنما كانت تعبيرًا عن طور اجتماعي معين، هو طور نهوض الطبقة الوسطى. أما الآن، وقد انطوى هذا الطور، فلم يعد بوسع النخبة القومية البورجوازية، التي أفلتت السلطة من يدها، أن تزود الأمة بزعماء منها (16). وعلى هذا الغرار يذهب فايز صايغ، أحد الشباب الفلسطيني، إلى أن إنشاء قومية عربية موحدة لن يتم بوسائل سياسية صرف، بل لا بد من تغيير اجتماعي أساسي، إذ لا تتحقق الوحدة إلا بالقوة الدينامية المتفجرة من مثل هذا التغيير (17). كما يفسر عبد العزيز الدوري، وهو مؤرخ ذو معتقدات قومية، تاريخ العرب بكامله على ضوء الحركات الشعبية المتكررة الرامية إلى