وأن يدافعوا عنه على ضوء مفاهيم عصر ساده علم النفس والنزعة إلى الثورة في كل شيء. وقد طرأ على فكرة القومية العربية تغير مماثل تحت ضغط كارثة جذرية، هي كارثة فلسطين. فقد كان لإنشاء دولة إسرائيل، واندحار الجيوش العربية، وتشريد السكان العرب، أثر عميق في التفكير القومي. وقد أسهم في النقاش الواسع حول أسباب التخاذل العربي بعض الشباب الفلسطيني (10). لكن خير من عالج هذا الموضوع من المفكرين هما قسطنطين زريق وموسى العلمي. الأول أتينا على ذكره، بصدد كتابه «الوعي القومي». لكنه، في 1948 العصيبة، وضع كتابًا آخر عنوانه «معنى النكبة» (11)، ألح فيه على أن خطر التوسع الصهيوني أهم ما يواجه العرب اليوم، وأن لا سبيل لهم إلى صده إلا ببذل كل ما يملكونه من قوة، وهذا يقتضي منهم تحويل كيانهم تحويلًا تامًا. وهو يرى أن السبب الأساسي لهزيمة العرب وللخطر المحدق بهم إنما هو عدم وجود أمة عربية بالمعنى الصحيح. فالعقلية التقدمية والديناميكية لا تقوى عليها العقلية البدائية والجامدة (12)، ولا يمكن التغلب عليها إلا بتغيير أساسي في حياة العرب وتفكيرهم يفضي بهم إلى إنشاء دولة موحدة، متطورة اقتصاديًا واجتماعيًا، بحيث يصبح العرب، واقعيًا وروحيًا، جزءًا من العالم الذي نعيش فيه (13)، فيتبنوا أساليبه التقنية المادية، وعلمانيته، وطرق تفكيره العلمي، وقيمه الخلقية. ولا يحقق هذا الأمر إلا نخبة مثقفة تستطيع أن تنظر إلى نفسها وإلى العرب بالوضوح والتواضع اللذين لا ينجمان إلا عن فهم حقيقي للتاريخ. وقد حدد قسطنطين زريق، في كتاب لاحق، حقيقة التفكير التاريخي الصحيح ونطاقه (14).

أما موسي العلمي، فقد أعرب عن آراء مماثلة. في كتابه «عبرة فلسطين» (15) فسرد الأخطاء التي ارتكبها العرب في معالجتهم للقضية الفلسطينية، كتقصيرهم في إعداد العدة، وعدم اتحادهم، وعدم تفهمهم بوضوح لما ستكون عليه الحرب، وعدم الجد في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015