الاعتقاد قبل الإسلام، كما كان عليه أيضًا المسلمون الأولون قبل أن تفسد دينهم التأثيرات الخارجية. لكن هذا لا يعني، عنده، أن على الإنسان الحديث أن يحاول محاكاة السلف، لأن التقدم يكتنف طبيعة الإنسان كما يكتنف المدنية، ولأن لا يمكننا العثور على الكمال في الماضي (7).

قد يكون على الدرجة ذاتها من الأهمية كتاب آخر وضعه خالد محمد خالد الذي، بالرغم من افتقاره إلى روح الابتكار في التفكير واللباقة في الأسلوب، استطاع أن يبث تفسيرًا عصريًا للإسلام بين جمهور كبير. وهو في هذا التفسير يعمد، بدوره، إلى التمييز المألوف بين الدين الحقيقي والدين المزيف، بين ما هو جوهري وبين ما هو عرضي. لكن الدين الحقيقي فقد عمليًا معناه على يده، إذ أصبح مجرد «ينبوع للقوة والأخوة والمساواة». لقد بطل أن يكون عقيدة، بل غدا موقفًا روحيًا. زد على ذلك أن تمييزه هذا كان أحد، لا بل أقسى، من تمييز المفكرين قبله. فالدين الذي يتدخل في الحقل العلماني هو، في نظره، دين زائف، وآلة بين يدي «الكهنة» في سعيهم لاقتناص السلطة وإبقاء الناس على فقرهم وجهلهم. والدين الحقيقي لا يكون ممكنًا إلا إذا سادت العدالة الاجتماعية والاقتصادية. فالمعدة المليئة شرط ضروري للحياة الروحية (8). وهو يقول أيضًا أن على المجتمع، كي يحقق العدالة، أن يعيد بناءه من جديد، وإن التغييرات الضرورية عميقة وواسعة النطاق بحيث يستحيل تحقيقها إلا بوسائل ثورية. ويرسم خالد محمد خالد لنا، في كتاب آخر، خطوط الثورة الاجتماعية التي يتصور قيامها في مصر، فيقول إنها تقتضي تقسيم الأملاك الكبرى، وفرض إيجارات زراعية، وتأميم الموارد، وحماية حقوق العمل، وتحرير المرأة، وتحديد النسل. وهي تقتضي أيضًا إنشاء ديمقراطية برلمانية وأحزاب سياسية. إذ إن الثورة يجب أن تكون ثورة ديمقراطية (9).

لقد حاول هؤلاء المفكرون أن يفهموا الإسلام فهمًا جديدًا،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015