عرضًا جديدًا لتعاليم الإسلام على ضوء مظهرين مهيمنين على عصره: علم النفس الذي جاء يزعزع التفكير المألوف، كما فعل علم الفيزيولوجيا لمائة سنة خلت، وخطر الحرب. يستهل المؤلف كتابه، أسوة ببعض أتباع محمد عبده، بالتمييز بين النظامين الروحي والزمني. فالنظام الزمني، في رأيه، هو من فعل البشر. إنه ناقص وموقت وعرضة للتغير ... ولذا يجب أن تبقى النواحي المتعلقة بالحقل الاجتماعي شؤونًا بشرية صرف تحيط بها ضمانات يكون البشر أنفسهم مسؤولين عنها (5). غير أن تعاليمه حول النظامين لم تكن تمامًا كتعاليم أتباع محمد عبده. نعم، كان العقل في تعاليمهم هو المهيمن على الدائرة الزمنية. غير أن هذا العقل أخذ ينطق هنا، في تعاليم محمد كامل حسين، بلهجة أخرى أثارتها النزعة إلى الأممية والسلمية، واستفظاع إزهاق الروح البشرية، ومسؤولية الفرد الأدبية عن أعمال مجتمعه. وفيما كان صوت الله يخاطب الجيل السابق في الشؤون الدينية علنًا وبواسطة القرآن، أصبح اليوم يهمس كصوت الضمير الهاتف في سريرة الفرد. فالضمير هو، في اعتقاد المؤلف، ما يفرض الحدود على أفعال الإنسان ويضع القوانين التي على النفس التقيد بها، وإلا اعتراها المرض والفساد (6).

لقد حاول هذان الكاتبان أن يبينا أن انسجام العالم الحديث مع الإسلام أمر ممكن. وقد قام بمثل هذه المحاولة أيضًا، لكن بإطلاق أشد، عبد الله القصيمي في كتابه، «هذه هي الأغلال». ففي هذا الكتاب، يطالعنا المؤلف بالتهجم المألوف على الجمود الديني وعلى الاستكانة إلى الآخرة، وعلى الطلاق بين الروحي والمادي، محاولًا شرح هذه الأخطاء التي وقع فيها المسلمون بردها إلى الفقه الإسلامي، ومنها اعتقاد علماء الكلام السنيين أن الله هو الفاعل الحقيقي الوحيد والعلة المباشرة لكل ما يحدث، بينما أساس القوة والتقدم إنما هو الاعتقاد أن الإنسان فاعل حر، وأن له القدرة على الكمال، وأن الكون مسير بناموس السببية. وهو يدعي أن العرب كانوا على هذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015