بعض الكتاب والمفكرين، على أفكار كانت قد ألهمت أبناء جيل أسبق، كأبحاث الفيلسوف اللبناني شارل مالك، حيث نجد تأكيدًا على الصلة بالغرب يزيد في وقعه صدوره عن إدراك أوضح لمعنى المدنية الغربية. فالغرب، عنده، لم يعد غرب روسو أو كونت أو مل، بل هو الحضارة الممتدة إلى الماضي البعيد، إلى عهود الشرق الأدنى القديمة. وفي هذا يقول: «إن عهود الشرق الأدنى العظيمة هي ديانة العالم ... فالرسالة التي حملها عبر تاريخه الطويل قامت على أن هناك نظامًا متساميًا أصيلًا، مليئًا بالمعنى والقوة، ومنفتحًا للمؤمن والنقي- نظامًا يخلق ويدين ويقلق ويشفي ويسامح» (1). وقد أعاد الغرب بدوره هذه الحضارة إلى الشرق الأدنى، فعلى هذا أن يتقبلها، شرط أن يبقى الغرب وفيًا لذاته، أي لمبادئ العقل والحرية والتسامي الكامنة في صميم كيانه. وللبنان، في عملية العرض والقبول هذه، دور خاص. إذ لما كان الغرب مسيحيًا بجوهره، كان لا بد للشرق الأوسط من وسيط مسيحي يكون، بالوقت نفسه، جزءًا منه. وما من بلد سوى لبنان يستطيع أن يكون هذا الوسيط. أما إسرائيل، فلا يسعها القيام بهذا الدور، وإن ادعت ذلك، لأنها غير مرتكزة أصلًا إلى ما هو الأعمق في حضارة الغرب، ولأنها، بالوقت نفسه، غريبة عن الشرق الأدنى الذي أقامت كيانها فيه (2)».

كذلك يمكن العثور، في هذه المرحلة الأخيرة، على امتداد التفكير الإسلامي العصري الذي كان الموضوع الرئيسي لهذا الكتاب. فقد وضع كاتب عراقي، هو علي الوردي، عدة مؤلفات، أعاد فيها كتابة تاريخ الإسلام من زاوية النضال الثوري لتحقيق العدالة، متوخيًا تفسير الإسلام على ضوء ما كان يبدو أشد الأحداث وقعًا في زمانه، تمامًا كما فسرته مدرسة محمد عبده على ضوء أفكار زمانها ومنجزاته (3). وقد أوحت هذه الغاية ذاتها لمحمد كامل حسين، الطبيب المصري، كتابه المرموق «قرية ظالمة» (4). كان هذا الكتاب، في الظاهر، بمثابة تأمل في معنى صلب المسيح. أما في الواقع، فكان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015