تبديل الطوابع البريدية، بحيث لم يعد يظهر عليها رسوم الجوامع أو أبي الهول أو الملوك، بل رسوم العمال والفلاحين في مواقف بطولية، وهم يهزون قبضاتهم في وجه القدر. وهذه الصورة تكاد أن تكون واحدة في كل مكان، سواء تحت نظام الحكم الجمهوري القومي أو الملكي الدستوري. وهي ترمز بقوة إلى القوم أو الشعب بعد أن كانت ترمز، قبل جيل، إلى الوطن. لقد كانت الوطنية القديمة تدعو ذوي النوايا الطيبة من الناس إلى الدفاع عن وطن مستعبد. أما في القومية الجديدة، فقد أصبح البشر هم الفاعلون: إنهم أصحاب السلطة وأسياد مصيرهم، يصرون على خلق عالمهم الاجتماعي خلقًا جديدًا، متخذين من مفهومهم الخاص لما هو خيرهم مقياسًا أخيرًا لأعمالهم. ولم يعد خير المجتمع يحدد بمفاهيم الحرية الفردية، بل بالنمو الاقتصادي، ورفع مستويات العيش العامة، وتأمين الخدمات الاجتماعية.

أثارت جميع هذه التغيرات قضايا جديدة أمام الفكر الاجتماعي والسياسي. أولاها، قضية ما هي الأمة، أي ما هي الجماعة التي هي، ويجب أن تكون، مصدر السلطة السياسية وقطب الولاء؟ والثانية، ما هي، وما يجب أن تكون عليه العلاقة بين خير المجتمع وبين أحكام الدين وشرائعه الموروثة؟ والثالثة، ما هو، وما يجب أن يكون موقف الأمة، أو الدولة التي تتجسد فيها الأمة، من العالم الخارجي؟ والرابعة، ما هو، بين الاتجاهات المتعددة، الاتجاه الذي يجب على الحكومة السير بموجبه في سعيها لتعزيز النمو الاقتصادي والرفاهية الاجتماعية؟

كانت جميع الأجوبة التي تقدمت بها على هذه الأسئلة مختلف تيارات الفكر الكبرى في الشرق الأوسط، في غضون السنوات الخمسة عشرة بعد الحرب، واحدة إلى حد ما. لكنه كان بينها فروق كبيرة، ليس في برامج العمل فحسب، بل في المبادئ التي انطلقت منها تلك البرامج أيضًا. فقد كان لا يزال من الممكن العثور، في أبحاث

طور بواسطة نورين ميديا © 2015