مثلًا. كذلك أصبح العالم واحدًا على الصعيد السياسي، بحيث غدا الكون مسرحًا واحدًا للحوار السياسي. لا شك أنه كان هناك أنظمة سياسية مختلفة؛ غير أنها لم تكن من النوع الناجم عن التراث أو عن الطابع الإقليمي أو القومي. فقضية آسيا والشرق الأوسط لم تعد قضية المحافظة على نظام تقليدي فريد، كالسلطنة الإسلامية أو الإمبراطورية الصينية، بل أصبحت قضية إنشاء نظام ما من الأنظمة المختلفة الممكنة في ظروف المجتمع الحديث، والمحافظة على هذا النظام. ذلك أن الأنظمة التقليدية كانت، في كل مكان، حتى في المجتمعات الأشد محافظة، في طريق التحول إلى شيء قريب من روح العصر الحديث. فسلطنة مراكش القديمة أصبحت، بالرغم من طابعها الديني، ملكية حديثة ذات طابع قومي؛ كما أن التغير السياسي، حتى في شبه الجزيرة العربية، قد أخذ في التحفز.

وهكذا أصبح بمقدور الدول الشرقية، للمرة الأولى في التاريخ الحديث، أن تقطع، إذا شاءت، صلتها تمامًا بالغرب وتستغني عن مثل هذه الصلة وتبقى، بالرغم من ذلك، جزءًا من العالم الحديث. لقد أصبح بإمكانها الآن أن ترفض الاتصال بالغرب، وتقتبس، مع ذلك، جميع الأساليب التقنية والأفكار التي تقوم عليها المدنية الحديثة. وكان لهذا بدوره نتيجتان متعاكستان: الأولى أن الاتصال بالغرب قد أصبح، بالنسبة إلى عدد قليل من السياسيين والمفكرين، شأنًا اختياريًا ومؤقتًا يتخذ على ضوء التفكير والتعقل أكثر من ذي قبل. وما ذلك إلا لسبب بسيط هو أنه لا بد من الاختيار ومن المدافعة عن هذا الاختيار. أما بالنسبة إلى الآخرين، وهذه هي النتيجة الثانية، فلم يعد الاتصال بالغرب ضروريًا، فضلًا عن أن رفضه أصبح واجبًا، باعتباره أثرًا من آثار عهد السيطرة الاستعمارية. كان هذا، بالحقيقة، أحد المعاني الذي انطوت عليه ثورة 1952 المصرية. فقد جاءت إلى الحكم برجال رفضوا، بالرغم من إدراكهم التام ضرورة اقتباس تقنية الصناعة الحديثة والعيش في عالم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015