قوى العمل الوطني التي كان يعتقد إجمالًا أن من شأنها تحقيق ازدياد الثروة والرفاهية. لذلك كان من المسلم به، على وجه العموم، أن الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، وإن كان بحد ذاته أمرًا مرغوبًا فيه، يمكن ويجب أن يؤجل إلى ما بعد الاستقلال، وأن من الممكن تحقيق الاستقلال بدونه، وذلك بوسائل سياسية وباستخدام القوى الوطنية المتوفرة حاليًا. كما كان من المسلم به أيضًا أن التغير الاجتماعي سيتم حتمًا عندما يتم الاستقلال، إذ كان قليلًا يومذاك عدد المفكرين المتنبهين إلى مشكلات السياسة الاجتماعية في الدول المستقلة حديثًا، تلك المشكلات التي تجابه تلك الدول في سعيها للاحتفاظ بالمستوى الإداري الذي تحقق بفضل السلطة الأوروبية، ولتعيين الحدود بين النشاط الخاص والرقابة الحكومية، وللحصول على الرأسمال الأجنبي الضروري للتنمية السريعة دون الوقوع تحت نوع جديد من النفوذ الأجنبي.

كانت إذن غاية القوميين الجوهرية تحقيق الاستقلال. لكن مفهوم هذا الاستقلال كان محدودًا لديهم. فقد كان يعني، في لغة العصر، الحصول على الحكم الذاتي الداخلي، والانتماء إلى جامعة الأمم. لكنه لم يكن لينفي (وبالواقع كاد أن يفرض) بقاء رابطة دائمة مع الدولة المحتلة سابقًا، تبقى على القواعد العسكرية والعلاقات الاقتصادية والثقافية، وتخضع لسياسة تلك الدولة الشؤون الرئيسية في العلاقات الخارجية. والواقع هو أنه لم يكن بالإمكان غير ذلك. فدول الشرق الأوسط، مستقلة كانت أو غير مستقلة، لم يكن بوسعها، في ذلك الحين، التخلص من سلطة إنكلترا وفرنسا المحيطة بها من كل جانب، مجسدة في الجيوش البرية والقوات البحرية والجوية وفي المدارس والمصارف والمشاريع الاقتصادية والتجارية. لذلك لم يكن لها أن تختار بين الاستعمار وبين الاستقلال الحقيقي، بل بين درجات وأنواع مختلفة من السيطرة.

كتب ابن خلدون عما يتمتع به الفريق الحاكم من قوة جاذبية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015