بقوة قائلًا: إنه قد يجوز لدولة أجنبية، حريصة قبل كل شيء على تجنب الاضطرابات السياسية، أن تتذرع بمثل هذه الحجة. لكنه من المخجل أن تلجأ حكومة وطنية إلى ذلك، إذ أن هدفها الأول يجب أن يكون خلق الديمقراطية الصحيحة. فالحد من التربية يعني جعل الجهل أساس الحياة الوطنية. أما إذا أدى توسيع التربية إلى مشاكل اجتماعية معقدة، فالدواء الوحيد لذلك إنما هو في تغيير النظام الاجتماعي لفتح مجالات جديدة للعمل، وخاصة لوضع حد للظلم، وهذا معناه تصغير الأملاك الكبرى، وتمصير الحياة الاقتصادية (18).

ويقضي التعديل الثاني يجعل التربية الثانوية في متناول جميع القادرين على دفع رسومها، وبتوفير مقاعد مجانية للأولاد الأذكياء من الفقراء. أما التعديل الثالث، وهو الأهم، فإنه يرمي إلى تغيير مواد التعليم. وهذا يعني، في تلك الحقبة، تغييرًا في مادة تعليم اللغات في المدارس المصرية. إذ في هذه المادة بالذات تكمن المشكلة الرئيسية للمدارس العربية اليوم: كيف تلقن اللغة العربية، هذه اللغة الصعبة التي تدرس وفق أساليب تقليدية محددة؟ وما هي اللغات الأجنبية التي يجدر تعلمها كمفتاح لا لتلقي التعليم العالي فحسب بل لمعرفة العالم الحديث؟ ومتى تعلم هذه اللغات وكيف؟ وعلى هذا يجيب طه حسين بالقول إنه لا يجوز تدريس أي لغة أجنبية قبل السنة الخامسة، لكنه يجب فيما بعد تدريسها بوفرة. وعلى التلميذ أن يختار بين اللغة الإنكليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية، كما يجب أن تتوفر، للذين يطمحون إلى التضلع، دراسة اللغات الكلاسيكية: اليونانية واللاتينية لمن يريد التخصص في تاريخ أوروبا ومدنيتها، والعبرية والفارسية للمعنيين باللغة العربية وآدابها. ثم يضيف على ذلك قوله بأن معرفة اللغات الكلاسيكية، بصرف النظر عما فيها من قيمة بحد ذاتها، ضرورية للمصريين، إذا هم أرادوا أن يتبنوا شطرًا كاملًا من تاريخ مصر. فقد كانت مصر يونانية لعدة قرون،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015