المدرسي. نعم، إنه يعتبر غاية التربية الأولى تلقين الثقافة والعلم، لكنه يرى أيضًا أنها تلعب دورًا حيويًا في تلقين الفضائل المدنية وخلق الظروف التي يمكن فيها لحكم ديمقراطي أن يعيش.

لذلك عني القسم الأكبر من كتابه بنقد التربية المصرية ووضع برنامج إصلاحي لها. فالتربية الابتدائية، وهي أساس الحياة الديمقراطية، يجب أن تكون عامة وإجبارية، لكن التربية الثانوية تواجه مشاكل أصعب، لأنها حاليًا في مصر على أنواع كثيرة، دينية، وأجنبية، وحكومية، تسبب باختلافها بلبلة ثقافية. فمن الضروري، وإن كان لا بأس من التنوع بحد ذاته (15)، أن يكون هناك حد أدنى من الانسجام فيما بينها، وهذا ما لا يمكن تحقيقه إلا بتدخل الدولة. إن المدارس الأجنبية هي أفضل المدارس في البلاد، وهي تكون بذلك شكلًا من أشكال الثروة الثقافية؛ فلا يجوز إذن إغلاقها؛ لكنها يجب أن تخضع لرقابة ما فيما يتعلق بتعليم لغة البلاد وتاريخها وجغرافيتها، وفيما يتعلق بتلقين الدين أيضًا: فمن حق الأولاد المسلمين أن يتلقنوا دينهم حتى لو كانوا في مدارس الإرساليات المسيحية. إلا أن هذه المدارس لا يمكنها قط، حتى لو تم ذلك، أن تفي تمامًا بالغرض. وما ذلك إلا لأنها، بطبيعتها، لا تستطيع أن تلقن الفتى المصري أن يحب الأمة المصرية، أو أن يحمي الديمقراطية المصرية (16). أما المدارس الدينية المصرية، وهي المدارس الابتدائية والثانوية التابعة للأزهر، فيجب أن توضع تحت رقابة الحكومة (17). وأما المدارس الحكومية، فيجب إدخال ثلاث تعديلات هامة عليها: أولًا، يجب أن تنتشر في البلاد بالسرعة الممكنة. ولا يخفى على طه حسين الاعتراض القائل بأن ذلك يؤدي إلى قيام طبقة مثقفة لا تجد لها مجالًا للعمل، وهو ما احتج به كرومر لتبرير تقاعسه عن إعارة التربية اهتمامًا أوفى. وكان هذا الخطر قد أصبح خطرًا حقيقيًا في 1938، وذلك بسبب ازدياد عدد العاطلين عن العمل من المتخرجين وما دون المتخرجين. لكن طه حسين كان يرد على هذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015