مدارس ابتدائية وثانوية مصرية (معاهد التعاون الثقافي) في البلدان العربية الأخرى (14).

وهكذا كان كتاب «الوعد الحق» تعبيرًا أخيرًا عن نوع معين من الوطنية المصرية الخالصة، يعكس الحقبة التي وضع فيها، ويعتبر الخطوة الأولى نحو الانصهار في بوتقة القومية العربية. فقد أتاحت المعاهدة الإنكليزية المصرية لمصر، للمرة الأولى منذ جيلين، فرصة انتهاج سياسة خارجية مستقلة، نسبيًا على الأقل، في شؤون الشرق الأوسط. فغدت الحكومات المصرية، أيًا كانت، ترى في البلدان العربية المجاورة المجال الطبيعي لاهتمامها، كما كانت الحال دومًا منذ قديم الزمن. لكن طه حسين، وهو الوفي لسلسلة التفكير التي كان هو آخر حلقة فيها، لم يدع أن اللغة العربية وثقافتها التقليدية تتفوق على اللغات الأخرى وثقافاتها، إنما كان غرضه من إنعاش اللغة العربية تمكين الإنسان العربي الحديث المثقف من أن يعيش بلغته، مما يقتضي أن تستوعب اللغة العربية التفكير الأوروبي بأسره. وقد خصص جزءًا كبيرًا من حياته لتحقيق هذا الغرض. فشجع، مثلًا، على ترجمة الأدب الإغريقي القديم، لا بل قام هو بنفسه ببعض هذه الترجمات، وحاول تجربة تدريس اليونانية واللاتينية في الجامعات، وأقنع الحكومة، في السنوات اللاحقة، أن تعد العدة لترجمة آثار شكسبير بكاملها.

إن الأمم التي أنجزت وحدتها واستقلالها وحققت استقرارًا ثقافيًا واجتماعيًا عميقًا قبل قيام الاستقلال الشعبي، والتي فيها تكون الفضائل التي بها تحيا المجتمعات سائدة في المنزل، وعبر الماضي، وفي الحياة العامة المزدهرة، قد تجد من الصعب أن تقدر ما كان وما يزال للمدرسة الحديثة من أهمية عظمى في بلد كمصر. إن اقتناع طه حسين بهذه الأهمية، فضلًا عن تنشئته الخاصة، هو ما يشرح الاهتمام الذي أعاره لإصلاح النظام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015