وفي «الفتنة الكبرى»، يصف الخلفاء الراشدين كثوار باكرين يبتغون حكمًا قائمًا على العدل الاجتماعي، هو بمثابة «طريق وسط» بين الاشتراكية والرأسمالية، أو نظام للضمان الاجتماعي شبيه بـ «مشروع بيفريدج» - حكمًا فريدًا من نوعه يضم جميع حسنات سواه، حكمًا يشكل تجربة جريئة أطلقتها روح المغامرة، لكنها قد أخفقت لأنها جاءت سابقة لأوانها (12).

ويرى طه حسين أن الدين، مهما بلغت أهميته العاطفية، لا يستطيع أن يوجه الحياة السياسية. ففكرة الأمة يجب أن تقوم على مفاهيم غير المفاهيم الدينية، بخلاف ما زعمه الطهطاوي ولطفي السيد إلى حد ما. وقد بقيت المرحلة العربية من التاريخ المصري محور اهتمامه، بالرغم من إشادته الشكلية بماضي مصر الفرعوني. فاللغة العربية هي، عنده، خير المصريين المشترك. وهو خير ورثوه عن الماضي ووهبهم ما لديهم من فرص وطاقات. إلا أن طه حسين، بخلاف المصلحين المسلمين، لا يشدد على أهمية اللغة العربية كوسيلة للبعث الديني، بل كأساس للحياة الوطنية السليمة، مستنتجًا من ذلك أن أهميتها بالنسبة إلى الأقباط لا تقل عن أهميتها بالنسبة إلى المسلمين: فهي، على حد قوله، ليست لغة المسلمين فحسب، إنما هي لغة جميع الناطقين بها على اختلاف أديانهم (13). على أنه شكا من ركاكة اللغة العربية في الكنائس الشرقية، فتبرع، كما قيل، بالإسهام في وضع صيغة جديدة لها، تتيح للمسيحيين العرب عبادة الله بلغة عربية صحيحة.

وفي رأي طه حسين أن مصر هي التي حفظت اللغة العربية وثقافتها في أيام الأتراك المظلمة، وهي التي تعمل اليوم على تجديدها وتعزيزها، لذلك أصبحت هي مركز الثقافة العربية الحديثة، وغدت رسالتها في البلدان العربية السعي إلى نشر العلوم الحديثة فيها، بتوزيع الكتب والمجلات، وإعارة الأساتذة، واستقبال الطلاب العرب استقبالًا حسنًا في مصر، وتوحيد برامج التعليم، وإنشاء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015