التقليدي الذي يرضي قلوبهم، فمن الواجب أن يتعلموه. لكن أديانًا أخرى قد تصلح أيضًا لأمم أخرى. وعلى هذا، فالمسيحية القبطية التي ترضي قلوب المصريين الأقباط يجب أن تدرس على ما ينبغي، وذلك حفاظًا على عافية الأمة الروحية.
قد يتبادر إلى الذهن أن نظرة طه حسين إلى الصلة بين الدين والأمة قد تغيرت خلال العشرين سنة الأخيرة. فغالبًا ما قيل إن أهمية العنصر الديني قد تزايدت في ما كتبه في الثلاثينيات والأربعينيات عن النبي، وقادة الإسلام الأولين، وعهود الإسلام البطولية، أسوة بمعاصريه كالعقاد وهيكل. لكننا إذا تحرينا الطريقة التي بها يعالج طه حسين الدين في هذه الكتب، ككتاب «على هامش السيرة» (1937 - 1943)، وكتاب «الوعد الحق» (1950)، لتبين لنا بوضوح أنها لا تدل على تغير في نظرته إلى الإسلام. فالدين إنما وجد لبعث الطمأنينة في النفوس، بما يكشفه من حقائق عن الكون، مغلفة برموز ذات قوة وتأثير. هذه الرموز يجب تقييمها حسب نتائجها، أي بمقدار ما تزيد في قوة الفرد أو الأمة. على أن عقول الناس تتغير من زمن إلى زمن، لذلك توجب التعبير عن هذه الرموز تعبيرًا جديدًا. من هنا يجب أن نرى في مؤلفات طه حسين الدينية محاولة لسرد قصة الإسلام سردًا جديدًا، بطريقة تستهوي الوجدان المصري الحديث. فهو يصور لنا النبي بطلًا بالمعنى الحديث، وعثمان رمزًا للضعف البشري، وعلى نموذجًا للحاكم المسلم المنصف. كما يصف لنا تاريخ الأمة في عهدها الأول كصراع الحقيقة والفضيلة ضد العالم، وكمسعى إلى إقامة حكم العدل في الأرض. وهو، في جميع هذه الحالات، لا يكتفي بعرض الرمز عرضًا جديدًا، بل يرسمه لنا بلباقة رسمًا من شأنه أن يستهوي عقول المثقفين ثقافة غربية. ففي كتابه «الوعد الحق» يلح على ما قاساه المسلمون الأولون من آلام، وذلك بأسلوب يؤثر في أولئك الذين يعيشون، عن رضى أو غير رضى، في العالم الروحي الذي أقامته المسيحية.